" صفحة رقم ٣٧٣ "
والغلظة : حقيقتها صلابة الشيء وهي مستعارة هنا للمعاملة بالشدة بدون عفو ولا تسامح، أي كن غليظاً، أي شديداً في إقامة ما أمر الله به أمثالهم. وتقدم عند قوله تعالى :( وليجدوا فيكم غلظة في سورة براءة، وقوله : ولو كنت فظاً غليظ القلب في سورة آل عمران.
والمأوى : المسكن، وهو مفعل من أوى إذا رجع لأن الإِنسان يرجع إلى مسكنه.
أعقبت جملة ) يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ( ( التحريم : ٩ ) الآية المقصود منها تهديدهم بعذاب السيف في الدنيا وإنذارهم بعذاب الآخرة وما قارن ذلك من مقابلة حالهم بحال المؤمنين، بأن ضرَب مثلين للفريقين بنظيرين في حاليهما لتزداد الموعظة وضوحاً ويزداد التنويه بالمؤمنين استنارة. وقد تقدمت فائدة ذكر الأمثال في قوله تعالى :( مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً في سورة البقرة.
وضربُ المثل : إلقاؤه وإيضاحه، وتقدم ذلك عند قوله تعالى : إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما في سورة البقرة.
فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً. وهذا المثل لا يخلو من تعريض بحث زوْجي النبي على طاعته وبأنَّ رضى الله تعالى يتبع رضى رسله. فقد كان الحديث عن زوجتي النبي قريباً وكان عَملهما ما فيه بارقة من مخالفة، وكان في المثلين ما فيه إشعار بالحالين.
وتعدية ضرب باللام الدال على العلة تفيد أن إلقاء المثل لأجل مدخول اللام. فمعنى ضرب الله مثلاً للذين كروا ( أنه ألقى هذا التنظير لأجلهم، أي اعتبارهم بهم وقياسسِ حالهم على حال الممثل به، فإذا قيل : ضرب لفلان مثلاً، كان المعنى : أنه قصده به وأعلمه إياه، كقوله تعالى :( ما ضربوه لك إلا جدلاً ( ( الزخرف : ٥٨ ).


الصفحة التالية
Icon