" صفحة رقم ٧١ "
والقذف : الرمي باليد بقوة. واستعير للحصول العاجل، أي حصل الرعب في قلوبهم دفعة دون سابق تأمل ولا حصول سبب للرعب ولذلك لم يؤت بفعل القذف في آية آل عمران ) سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب.
والمعنى : وجعل الله الرعب في قلوبهم فأسرعوا بالاستسلام. وقَذْفُ الرعب في قلوبهم هو من أحوال إتيان الله إياهم من حيث لم يحتسبوا فتخصيصه بالذكر للتعجيب من صنع الله، وعطفُه على أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا عطف خاص على عام للاهتمام.
والرعب ( : شدة الخوف والفزع. وهذا معنى قول النبي ( ﷺ ) ( نصرت بالرعب )، أي برعب أعداء الدين.
وجملة ) يخربون بيوتهم ( حال من الضمير المضاف إليه ) قلوبهم ( لأن المضاف جزء من المضاف إليه فلا يمنع مجيء الحال منه.
والمقصود التعجيب من اختلال أمورهم فإنهم وإن خربوا بيوتهم باختيارهم لكن داعي التخريب قهري.
والإِخراب والتخريب : إسقاط البناء ونقضه. والخراب : تهدم البناء.
وقرأ الجمهور ) يخربون ( بسكون الخاء وتخفيف الراء المكسورة مضارع : أَخرب. وقرأه أبو عمرو وحْده بفتح الخاء وتشديد الراء المكسورة مضارع : خَرَّب. وهما بمعنى واحد. قال سيبويه : إن أفعلت وفَعَّلت يتعاقبان نحْو أخربته وخَرّبته، وأفرحته وفرّحته. يريد في أصل المعنى. وقد تقدم ما ذكر من الفرق بين : أَنزل ونَزّل في المقدمة الأولى من مقدمات هذا التفسير.
وأشارت الآية إلى ما كان من تخريب بني النضير بيوتهم ليأخذوا منها ما يصلح من أخشاب وأبواب مما يحملونه معهم ليبنوا به منازلهم في مهاجرهم، وما كان من تخريب المؤمنين بقية تلك البيوت كلما حلّوا بقعة تركها بنو النضير.
وقوله :( بأيديهم ( هو تخريبهم البيوت بأيديهم، حقيقةٌ في الفعل وفي ما تعلق