" صفحة رقم ١٤ "
وجملة ) ليبلوكم ( إلى آخرها معترضة بين الموصولين.
واللام في ) ليبلوكم ( لام التعليل، أي في خلق الموت والحياة حكمة أن يبلوكم. الخ.
وتعليل فعل بعلةٍ لا يقتضي انحصار علله في العلة المذكورة فإن الفعل الواحد تكون له علل متعددة فيذكر منها ما يستدعيه المقامَ، فقوله تعالى :( ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ( تعليلٌ لفعل ) خَلَقَ ( باعتبار المعطوف على مفعوله، وهو ) والحياة ( لأن حياة الإِنسان حياة خاصة تصحح للموصوف بمن قامت به الإدراك الخاص الذي يندفع به إلى العمل باختياره، وذلك العمل هو الذي يوصف بالحسن والقبح، وهو ما دل عليه بالمنطوق والمفهوم قوله تعالى :( أيكم أحسن عملاً ( أي وأيكم أقبح عملاً.
ولذلك فذكر خلق الموت إتمام للاستدلال على دقيق الصنع الإِلاهي وهو المسوق له الكلام، وذكِر خلق الحياة إدماج للتذكير، وهو من أغراض السورة.
ولا أشك في أن بناء هذا العالم على ناموس الموت والحياة له حكمة عظيمة يعسر على الأفهام الاطلاع عليها.
والبلوى : الاختبار وهي هنا مستعارة للعلم، أي ليعلم علم ظَهورٍ أو مستعارةٌ لإظهار الأمر الخفي، فجعل إظهار الشيء الخفي شبيهاً بالاختبار.
وجملة ) أيكم أحسن عملاً ( مرتبطة ب ) يبلوكم ).
و ( أيُّ ) اسم استفهام ورفعه يعيّن أنه مبتدأ وأنه غير معمول للفظٍ قبله فوجب بيان موقع هذه الجملة، وفيه وجهان :
أحدهما قول الفراء والزجاج والزمخشري في تفسير أول سورة هود أن جملة الاستفهام سادة مَسدَّ المفعول الثاني، وأن فعل ) يبلوكم ( المضمن معنى ( يَعْلَمكم ) معلق عن العمل في المفعول الثاني، وليس وجود المفعول الأول مانعاً من تعليق الفعل عن العمل في المفعول الثاني وإن لم يكن كثيراً في الكلام.
الوجه الثاني أن تكون الجملة واقعة في محل المفعول الثاني ) ليبلوكم ( أي تؤول الجملة بمعنى مفردٍ تقديره : ليعلمكم أهذا الفريق أحسنُ عملاً أم الفريقُ الآخر.


الصفحة التالية
Icon