" صفحة رقم ١٤٤ "
وقوله :( تنزيل من رب العالمين ( خبر ثان عن اسم ( إنّ ) وهو تصريح بعد الكناية.
ولك أن تجعل ) تنزيل من رب العالمين ( خبر مبتدأ محذوف جرى حذفه على النوع الذي سماه السكاكي بمتابعة الاستعمال في أمثاله وهو كثير في الكلام البليغ، وتجعلَ الجملة استئنافاً بيانياً لأن القرآن لمَّا وصف بأنه ) قول رسول كريم ( ونفي عنه أن يكون قول شاعر أو قول كاهن، ترقَّب السامع معرفة كنهه، فبُين بأنه منزل من رب العالمين على الرسول الكريم ليقوله للناس ويتلوه عليهم.
و ) تنزيل ( وصف بالمصدر للمبالغة.
والمعنى : إنه منزل من رب العالمين على الرسول الكريم.
وعبر عن الجلالة بوصف ) ربّ العالمين ( دون اسمِه العلَم للتنبيه على أنه رب المخاطَبين وربُ الشعراءِ والكهاننِ الذين كانوا بمحل التعظيم والإِعجاب عندهم نظير قول موسى لفرعون ) ربُّكم وربُّ آبائكم الأولين ( ( الشعراء : ٢٦ ).
( ٤٤ ٤٧ ) ) ).
هذه الجملة عطف على جملة ) فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ( ( الحاقة : ٣٨ ٣٩ ) فهي مشمولة لما أفادته الفاء من التفريع على ما اقتضاه تكذيبهم بالبعث من تكذيبهم القرآن ومَن جاء به وقال : إنه وحي من الله تعالى.
فمفاد هذه الجملة استدلال ثان على أن القرآن منزل من عند الله تعالى على طريقة المذهب الكلامي، بعد الاستدلال الأول المستند إلى القَسم والمؤكدات على طريقة الاستدلال الخَطابي.
وهو استدلال بما هو مقرر في الأذهان من أن الله واسع القدرة، وأنه عليم فلا يقرر أحداً على أن يقول عنه كلاماً لم يقله، أي لو لم يكن القرآن منزلاً من عندنا ومحمد ادعى أنه منزَّل مِنا، لما أقررناه على ذلك، ولعجّلنا بإهلاكه. فعدَم هلاكه