" صفحة رقم ١٦٧ "
وهلوع : فعول مثال مبالغة للاتصاف بالهلَع.
والهلع لفظ غامض من غوامض اللّغة قد تساءل العلماء عنه، قال ( الكشاف ) :( وعن أحمد بن يحيى ( هو ثعلب ) قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع ؟ فقلت : قد فسره الله ولا يكون تفسير أبْيَنَ من تفسيره وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس ) ا هـ. فسارت كلمة ثعلب مسيراً أقنع كثيراً من اللغويين عن زيادة الضبط لمعنى الهلع. وهي كلمة لا تخلو عن تسامح وقلة تحديد للمعنى لأنه إذا كان قول الله تعالى :( إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً ( تفسيراً لمدلول الجزوع، تعيّن أن يكون مدلول الكلمة معنًى مركباً من معنيي الجملتين لتكون الجملتان تفسيراً له، وظاهر أن المعنيين ليس بينهما تلازم، وكثيراً من أيمة اللغة فسر الهلع بالجزع، أو بشدة الجزع، أو بأفحش الجزع، والجزع : أثر من آثار الهلع وليس عينه، فإن ذلك لا يستقيم في قول عمرو بن معد يكرب :
ما إن جَزِعْتُ ولا هَلِعْتُ
ولا يَرُدُّ بُكَايَ زَنْدَا
إذ عَطف نفي الهلع على نفي الجزع، ولو كان الهلع هو الجزع لم يحسن العطف، ولو كان الهلع أشد الجزع كان عطف نفيه على نفي الجزع حشواً. ولذلك تكلّف المرزوقي في ( شرح الحماسة ) لمعنى البيت تكلفاً لم يُغن عنه شيئاً قال : فكأنه قال : ما حَزنت عليه حزناً هَيِّناً قريباً ولا فظيعاً شديداً، وهذا نفي للحزن رأساً كقولك : ما رأيت صغيرهم ولا كبيرهم ا هـ.
والذي استخلصته من تتبع استعمالات كلمة الهلع أن الهلع قلة إمساك النفس عند اعتراء ما يُحزنها أو ما يسرها أو عند توقع ذلك والإشفاققِ منه. وأما الجزع فمن آثار الهلع، وقد فسر بعض أهل اللغة الهلع بالشره، وبعضهم بالضجر، وبعضهم بالشح، وبعضهم بالجوع، وبعضهم بالجبن عند اللقاء. وما ذكرناه في ضبطه يَجمع هذه المعاني ويريك أنها آثار لصفة الهلع. ومعنى ) خُلق هلوعاً :(


الصفحة التالية
Icon