" صفحة رقم ١٨ "
ويجوز أن يكون ) خلق ( مصدراً فيشمل خلق السماوات وخلقَ غيرها فإن صنع الله رحمة للناس لو استقاموا كما صنع لهم وأوصاهم، فتفيد هذه الجملة مفاد التذييل في أثناء الكلام على وجه الاعتراض ولا يكون إظهاراً في مقام الإِضمار.
والتعبير بوصف ) الرحمن ( دون اسم الجلالة إيماء إلى أن هذا النظام مما اقتضته رحمته بالناس لتجري أمورهم على حالة تلائم نظام عيشهم، لأنه لو كان فيما خلق الله تفاوت لكان ذلك التفاوت سبباً لاختلال النظام فيتعرض الناس بذلك لأهوال ومشاق، قال تعالى :( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ( ( الأنعام : ٩٧ ) وقال :( هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلاّ بالحق ( ( يونس : ٥ ).
وأيضاً في ذلك الوصف تورك على المشركين إذْ أنكروا اسمه تعالى :( الرحمن ( ) وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً ( ( الفرقان : ٦٠ ).
وفرع عليه قوله :( فارجع البصر ( الخ. والتفريع للتسبب، أي انتفاء رؤية التفاوت، جعل سبباً للأمر بالنظر ليكون نفي التفاوت معلوماً عن يقين دون تقليد للمخبِر.
ورَجْع البصر : تكريره والرجْع : العود إلى الموضع الذي يجاء منه، وفِعل : رَجع يكون قاصراً ومتعدياً إلى مفعول بمعنى : أرْجَعَ، فأرجع هنا فعل أمر من رجع المتعدي.
والرَّجع يقتضي سبق حلول بالموضع، فالمعنى : أعِد النظر، وهو النظر الذي دل عليه قوله :( ما تَرى في خلق الرحمن من تفاوت ( أي أعد رؤية السماوات وأنها لا تفاوت فيها إعادة تحقيق وتبصر، كما يقال : أعِدْ نَظَراً.
والخطاب في قوله :( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ( وقوله :( فارجع البصر ( الخ. خطاب لغير معين.
وصيغة الأمر مستعملة في الإرشاد للمشركين مع دلالته على الوجوب للمسلمين فإن النظر في أدلة الصفات واجب لمن عرض له داع إلى الاستدلال.


الصفحة التالية
Icon