" صفحة رقم ١٨٨ "
ولك أن تجعلها استئنافاً بيانياً لجواب سؤال السامع أن يسأل ماذا فعل نوح حين أرسل الله إليه ) أن أنذر قومك، وهما متقاربان.
وافتتاح دعوته قومَه بالنداء لطلب إقبال أذهانهم ونداؤهم بعنوان : أنهم قومه، تمهيد لقبول نصحه إذ لا يريد الرجل لقومه إلاّ ما يريد لنفسه. وتصدير دعوته بحرف التوكيد لأن المخاطبين يترددون في الخبر.
والنذير : المنذر غير جار على القياس، وهو مثل بشير، ومثل حكيم بمعنى محكم، وأليم بمعنى مؤلم، وسميع بمعنى مسمع، في قول عَمرو بن معديكرب :
أمِنْ ريْحانةَ الداعي السميع
وقد تقدم في أول سورة البقرة عند قوله : ولهم عذاب أليم. وحذف متعلق نذير ( لدلالة قوله :( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ( عليه. والتقدير : إنّي لكم نذير بعذاب أليم إن لم تعبدوا الله ولم تتقُوه ولم تطيعوني.
والمبين : يجوز أن يكون من أبان المتعدّي الذي مجرده بَانَ، أي مُوَضِّح أو مِن أبان القاصر، الذي هو مرادف بَان المجردِ، أي نذير وَاضح لكم أني نذير، لأني لا أجتني من دعوتكم فائدة من متاع الدنيا وإنما فائدة ذلك لكم، وهذا مثل قوله في سورة الشعراء ( ١٠٩، ١١٠ ) ) وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على ربّ العالمين فاتقوا الله وأطيعون.
وتقديم لكم ( على عامله وهو ) نذير ( للاهتمام بتقديم ما دلت عليه اللام من كون النذارة لفائدتهم لا لفائدته.
فجمع في صدر دعوته خمسة مؤكدات، وهي : النداءُ وجعلُ المنادَى لفظ ) يا قوم ( المضاف إلى ضميره، وافتتاحُ كلامه بحرف التأكيد، واجتلابُ لام التعليل، وتقديمُ مجرورها.
و ) أن ( في ) أن اعبدوا ( تفسيرية لأن وصف ) نذير ( فيه معنى القول دون حروفه، وأمرهم بعبادة الله لأنهم أعرضوا عنها ونسوها بالتمحض لأصنامهم، وكان قوم نوح مشركين كما دل عليه قوله تعالى في سورة يونس ) فأجمِعوا أمركم وشرُكاءكم وبذلك كان تمثيل حال المشركين من العرب بحال قوم نوح تمثيلاً تاماً.


الصفحة التالية
Icon