" صفحة رقم ١٩٢ "
أما مسألة تأخير الآجال والزيادة في الأعمار والنقص منها وتوحيد الأجل عندنا واضطراب أقوال المعتزلة في هل للإِنسان أجل واحد أو أجلان فتلك قضية أخرى ترتبط بأصلين : أصل العلم الإِلاهي بما سيكون، وأصل تقدير الله للأسباب وترتُّب مسبباتها عليها.
فأما ما في علم الله فلا يتغير قال تعالى :( وما يعمَّر من معمَّر ولا يُنقص من عمره إلاّ في كتاب ( ( فاطر : ١١ ) أي في علم الله، والناس لا يطلعون على ما في علم الله.
وأما وجودُ الأسباب كلها كأسباب الحياة، وترتبُ مسبباتها عليها فيتغير بإيجاد الله مغيِّراتتٍ لم تكن موجودة إكراماً لبعض عباده أو إهانة لبعض آخر. وفي الحديث صدقة المرء المُسلم تزيد في العُمر. وهو حديث حسن مقبول. وعن علي عن النبي ( ﷺ ) من سره أن يُمد في عمره فليتق الله وليصِل رحمه. وسنده جيد. فآجال الأعمار المحددة بالزمان أو بمقدار قوة الأعضاء وتناسب حركاتها قابلة للزيادة والنقص. وآجال العقوبات الإِلاهية المحددة بحصول الأعمال المعاقب عليها بوقت قصير أو فيه مُهلة غير قابلة للتأخير وهي ما صْدَقُ قوله :( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ( وقد قال الله تعالى :( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ( ( الرعد : ٣٩ ) على أظهر التأويلات فيه وما في علم الله من ذلك لا يخالف ما يحصل في الخارج.
فالذي رغَّب نوحٌ قومَه فيه هو سبب تأخير آجالهم عند الله فلو فعلوه تأخرتْ آجالهم وبتأخيرها يتبين أن قد تقرر في علم الله أنهم يعملون ما يدعوهم إليه نوح وأن آجالهم تطول، وإذ لم يفعلوه فقد كُشف للناس أن الله علم إنهم لا يفعلون ما دعاهم إليه نوح وأن الله قاطع آجالهم، وقد أشار إلى هذا المعنى قول النبي ( ﷺ ) ( اعملُوا فكل مُيسَّر إلى ما خُلق له )، وقد استعصى فهم هذا على كثير من الناس فخلطوا بين ما هو مقرر في علم الله وما أظهره قدر الله في الخارج الوجودي.
وفي إقحام فعل ) كنتم ( قبل ) تعلمون ( إيذان بأن علمهم بذلك المنتفيَ لوقوعه شرطاً لحرف ) لو ( محقق انتفاؤه كما بيناه في قوله تعالى :( أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم في سورة يونس


الصفحة التالية
Icon