" صفحة رقم ٢٠٩ "
وكان لِحمير ولذي الكلاع منهم صنم اسمه ( نَسْر ) على صورة النسر من الطير. وهذا مروي في ( صحيح البخاري ) عن ابن عباس. وقال : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح إلى العرب اه. فيجوز أن تكون انتقلت بأعيانها ويجوز أن يكون العرب سموا عليها ووضعوا لها صوراً.
ولقد اضطَرَّ هذا بعضَ المفسرين إلى تأويل نظم الآية بأن معاد ضمير ) قالوا ( إلى مشركي العرب، وأن ذكر ذلك في أثناء قصة نوح بقصد التنظير، أي قال العرب بعضهم لبعض : لا تذرنَّ ءالهتكم وُدّاً وسُواعاً ويغوث ويعوق ونسراً كما قال قوم نوح لأتباعهم ) لا تَذرُنَّ ءالهتكم، ( ثم عاد بالذكر بعد ذلك إلى قوم نوح، وهو تكلف بيّن وتفكيك لأجزاء نظم الكلام. فالأحسن ما رآه بعض المفسرين وما نريده بياناً : أن أصنام قوم نوح قد دثرت وغَمرها الطوفان وأن أسماءها بقيت محفوظة عند الذين نجَوا مع نوح من المؤمنين فكانوا يذكرونها ويعظون ناشئتهم بما حلّ بأسلافهم من جراء عبادة تلك الأصنام، فبقيت تلك الأسماء يتحدث بها العرب الأقدمون في أثارات علمهم وأخبارهم، فجاء عمرو بن لُحَيّ الخزاعي الذي أعاد للعرب عبادةَ الأصنام فسمى لهم الأصنام بتلك الأسماء وغيرها فلا حاجة بالمفسر إلى التطوح إلى صفات الأصنام التي كانت لها هذه الأسماء عند العرب ولا إلى ذكر تعيين القبائل التي عبدت مسميات هذه الأسماء.
ثم يحتمل أن يكون لقوم نوح أصنام كثيرة جمعها قول كبرائهم :( لا تذرُنّ آلهتكم (، ثم خصوا بالذكر أعظمها وهي هذه الخمسة، فيكون ذكرها من عطف الخاص على العام للاهتمام به كقوله تعالى :( مَن كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريلَ وميكائيل ( ( البقرة : ٩٨ ). ويحتمل أن لا يكون لهم غير تلك الأصنام الخمسة فيكون ذكرها مفصلة بعد الإِجمال للاهتمام بها ويكون العطف من قبيل عطف المرادف.
ولقصد التوكيد أعيد فعل النهي ) ولا تذرُن ( ولم يسلك طريق الإِبدال، والتوكيدُ اللفظي قد يقرن بالعاطف كقوله تعالى :( وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين ( ( الانفطار : ١٧، ١٨ ).
ونقل عن الآلوسي في طرة تفسيره لهذه الآية هذه الفقرة :( قد أخرج الإِفرنج في حدود الألف والمائتين والستين أصناماً وتَمَاثيل من أرض الموصل كانت منذ نحو من ثلاثة آلاف سنة ). وتكرير ) لا ( النافية في قوله :( ولا سواعاً ولا يغوث (


الصفحة التالية
Icon