" صفحة رقم ٢٢١ "
ومنه قوله تعالى :( ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ( ( المجادلة : ٨ ).
وتأكيد الخبر ب ( أنَّ ) لأنهم أخبروا به فريقاً منهم يشكون في وقوعه فأتوا في كلامهم بما يفيد تحقيق ما قالوه وهو الذي يعبر عن مثله في العربية بحرف ( إن ).
ووصف القرآن بالعجب وصف بالمصدر للمبالغة في قوة المعنى، أي يعجب منه، ومعنى ذلك أنه بديع فائق في مفاده.
وقد حصل لهم العلم بمزايا القرآن بانكشاف وهبهم الله إياه. قال المازري في ( شرح صحيح مسلم ) ( لا بد لمن آمن عند سماع القرآن أن يعلم حقيقة الإِعجاز وشروط المعجزة، وبعد ذلك يقع العلم بصدق الرسول ؛ فإما أن يكون الجن قد علموا ذلك أو عَلِموا من كتب الرسل المتقدمة ما دلهم على أنه هو النبي الأمّي الصادق المبشر به ) اه. وأنا أقول : حصل للجن علم جديد بذلك بإلهام من الله لأدلة كانوا لا يشعرون بها إذ لم يكونوا مطالبين بمعرفتها، وأن فهمهم للقرآن من قبيل الإِلهام خلقه الله فيهم على وجه خرق العادة كرامة للرسول ( ﷺ ) وللقرآن.
والإِيمان بالقرآن يقتضي الإِيمان بمن جاء به وبمن أنزله ولذلك قالوا ) ولن نشرك بربنا أحداً.
وقد حصل لهؤلاء النفر من الجن شرف المعرفة بالله وصفاته وصِدق رسوله وصدق القرآن وما احتوى عليه مَا سَمعوه منه فصاروا من خيرة المخلوقات، وأُكرموا بالفوز في الحياة الآخرة فلم يكونوا ممن ذَرْأَ الله لجهنم من الجن والإِنس.
ومتعلق استمع ( محذوف دل عليه قوله بعده ) فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً.
والرشْد ( : بضم الراء وسكون الشين ( أو يقال بفتح الراء وفتح الشين ) هو الخير والصواب والهدى. واتفقت القراءات العشر على قراءته بضم فسكون.
وقولهم :( ولن نشرك بربنا أحداً، ( أي ينتفي ذلك في المستقبل. وهذا يقتضي أنهم كانوا مشركين ولذلك أكدوا نفي الإِشراك بحرف التأبيد فكما أكد خبرهم عن القرآن والثناء عليه ب ( إن ) أكد خبرهم عن إقلاعهم عن الإِشراك ب ) لن ).


الصفحة التالية
Icon