" صفحة رقم ٢٢٩ "
يُكره ذكره لا سيما وقد أضافه إلى من يُحتمل إضافته ( أي ما يكره ) إليه وهم العُواد. ولو انفرد لكان الأمر فيه سهلاً. قال ابن الأثير : هذه اللفظة المعيبة في شعر الرضي قد جاءت في القرآن فجاءت حسنة مرضية في قوله تعالى :( تُبوِّىء المؤمنين مقاعد للقتال ( ( آل عمران : ١٢١ ) وقوله :( وأنَّا كنا نقعد منها مقاعد للسمع (، ألا ترى أنها في هاتين الآيتين غير مضافة إلى من تقبح إضافتها إليه ولو قال الشاعر بدلاً من مقاعد العُواد مقاعد الزيارة لزالت تلك الهجنة اه. وأقول : إن لمصطلحات الناس في استعمال الكلمات أثراً في وقع الكلمات عند الأفهام.
والفاء التي فرعت ) من يستمع الآن يَجِدْ له شهاباً رصداً ( تفريع على محذوف دل عليه فعل ) كنا ( وترتب الشرط وجزائه عليه وتقديرُه : كنا نقعد منها ( أي من السماء ) مقاعد للسمع فنستمع أشياء فمن يستمعْ الآن لا يتمكَّن من السماع.
وكلمة ) الآن ( مقابل كلمة ) كنا (، أي كان ذلك ثم انقضى.
وجيء بصيغة الشرط وجوابه في التفريع لأن الغرض تحذير إخوانهم من التعرض للاستماع لأن المستمع يتعرض لأذى الشهب.
والجنُّ لا تنكف عن ذلك لأنهم منساقون إليه بالطبع مع ما ينالهم من أذى الرجم والاحتراق، شأنَ انسياق المخلوقات إلى ما خُلقت له مثل تهافت الفَراش على النار، لاحتمال ضعف القوة المفكرة في الجن بحيث يغلب عليها الشهوة، ونحن نرى البشر يقتحمون الأخطار والمهالك تبعاً للهوى مثل مغامرات الهُواة في البحار والجبال والثلوج.
ووقع ) شهاباً ( في سياق الشرط يفيد العموم لأن سياق الشرط بمنزلة سياق النفي في إفادة عموم النكرة.
والرصدَ : اسم جمع راصد وهو الحافظ للشيء وهو وصف ل ) شهاباً (، أي شهباً راصدة، ووصفها بالرصْد استعارة شبهت بالحراس الراصدين. وهذا إشارة إلى انقراض الكهانة إذ الكاهن يتلقى من الجني أنباء مجملة بما يتلقفه الجنيّ من خبر الغيب تلقف اختطاف ناقصاً فيكمله الكاهن بحدْسه بما يناسب مجاري أحوال قومه وبلده. وفي الحديث ( فيزيد على تلك الكلمة مائة كَذْبة ).