" صفحة رقم ٢٣١ "
فيؤمنوا بالوحي الذي حرسه الله من أن يطلع عليه أحد قبل الذي يوحَى به إليه والذي يحمله إليه.
فحاصل المعنى : إنا الآن لا ندري ماذا أريد بأهل الأرض من شر أو خير بعد أن كنا نتجسس الخبر في السماء.
وهذا تمهيد لما سيقولونه من قوله :( وإنا منا الصالحون ( ( الجن : ١١ ) ثم قولهم :( وإنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ( ( الجن : ١٢ ) ثم قولهم :( وإنا لما سمعنا الهدى آمنا به إلى قوله : فكانوا لجهنم حَطباً ( ( الجن : ١٣ ١٥ ).
ومفعول ) ندري ( هو ما دل عليه الاستفهام بعده من قوله :( أشرّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً ( وهو الذي علَّق فعل ) ندري ( عن العمل، والاستفهام حقيقي وعادة المعربين لمثله أن يقدروا مفعولاً يستخلص من الاستفهام تقديره : لا ندري جواب هذا الاستفهام، وذلك تقديرُ معنًى لا تقديرُ إعراب. هذا هو تفسير الآية على المعنى الأكمل وهي من قبيل قوله تعالى :( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ( ( الأحقاف : ٩ ).
وليس المراد منها فيما نرى أنهم ينفون أن يعلموا ماذا أراد الله بهذه الشهب، فإن ذلك لا يناسب ما تقدم من أنهم آمنوا بالقرآن إذ قالوا :( إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ( ( الجن : ١، ٢ ) وقولهم :( فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً ( ( الجن : ٩ ) فذلك صريح في أنهم يدرون أن الله أراد بمن في الأرض خيراً بهذا الدّين وبصرف الجن عن استراق السمع.
وتكرير ( إنّ ) واسمها للتأكيد لكون هذا الخبر معرضاً لشك السامعين من الجن الذين لم يختبروا حراسة السماء.
والرشَد : إصابة المقصود النافع وهو وسيلة للخير، فلهذا الاعتبار جعل مقابلاً للشر وأسند فعل إرادة الشر إلى المجهول ولم يسند إلى الله تعالى مع أن مقابله أسند إليه بقوله :( أم أراد بهم ربهم رشداً، ( جرياً على واجب الأدب مع الله تعالى في تحاشي إسناد الشر إليه.