" صفحة رقم ٢٣٤ "
وأما قوله تعالى :( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإِنس لهم قلوب لا يفقهون بها ( ( الأعراف : ١٧٩ ) الآية فقد أشار إلى أن عقابهم على الكفر والإِشراك، أو أريد بالجن الشياطين فإن الشياطين من جنس الجن.
والإِعجاز : جعل الغير عاجزاً أي غير قادر عن أمر بذكر مع ما يدل على العجز وهو هنا كناية عن الإِفلات والنجاة كقول إياس بن قبيصة الطائي :
ألم تر أن الأرض رحْب فسيحة
فهل تُعْجِزَنِّي بُقعة من بِقاعها
أي لا تفوتني ولا تخرج عن مُكْنتي.
وذِكْر ) في الأرض ( يؤذن بأن المراد بالهرب في قوله :( ولن نعجزه هرباً ( الهربُ من الرجم بالشهب، أي لا تطمعوا أن تسترقوا السمع فإن رجم الشهب في السماء لا يخطئكم، فابتدأوا الإِنذار من عذاب الدنيا استنزالاً لقومهم.
ويجوز أن يكون ) نعجز ( الأول بمعنى مغالب كقوله تعالى :( فما هم بمعجزين ( ( النحل : ٤٦ ) أي لا يغلبون قدرتنا، ويكون ) في الأرض ( مقصوداً به تعميم الأمكنة كقوله تعالى :( وما أنتم بمعجزين في الأرض ( ( الشورى : ٣١ )، أي في مكان كنتم. والمراد : أنا لا نَغلب الله بالقوة. ويكون ) نعجز ( الثاني، بمعنى الإِفلات ولذلك بُيّن ب ) هرباً (، والهرب مجاز في الانفلات مما أراد الله إلحاقه بهم من الرجم والاحتراق.
والظن هنا مستعمل في اليقين بقرينة تأكيد المظنون بحرف ) لن ( الدال على تأبيد النفي وتأكيده.
قرأ الجمهور وأبو جعفر بكسر الهمزة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وخلف بفتحها عطفاً على المجرور في قوله :( فآمنا به ( ( الجن : ٢ ).
والمقصود بالعطف قوله :( فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً (، وأما جملة ) لما سمعنا الهدى ءامنَّا به ( فتوطئة لذلك.