" صفحة رقم ٢٣٨ "
ويجوز أن يكون عائداً إلى غير مذكور في الكلام ولكنه معروف من المقام إذ السورة مسوقة للتنبيه على عناد المشركين وطعنهم في القرآن، فضمير ) استقاموا ( عائد إلى المشركين، وذلك كثير في ضمائر الغيبة التي في القرآن، وكذلك أسماء الإِشارة كما تنبهنا إليه ونبهنا عليه، ولا يناسب أن يعاد على القاسطين من الجن إذ لا علاقة للجن بشرب الماء.
والاستقامة على الطريقة : استقامة السير في الطريق وهي السير على بصير بالطريق دون اعوجاج ولا اغترار ببنيات الطريق.
و ) الطريقة ( : الطريق : ولعلها خاصة بالطريق الواسع الواضح كما تقدم آنفاً في قوله ) كُنَّا طرائق قِدداً ( ( الجن : ١١ ).
والاستقامة على الطريقة تمثيل لهيئة المتصف بالسلوك الصالح والاعتقاد الحق بهيئة السائر سيراً مستقيماً على طريقة، ولذلك فالتعريف في ) الطريقة ( للجنس لا للعهد.
وقوله :( لأسقيناهم ماء غدقاً :( وعد بجزاء على الاستقامة في الدّين جزاءً حسناً في الدنيا يكون عنواناً على رضى الله تعالى وبشارة بثواب الآخرة قال تعالى :( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( ( النحل : ٩٧ ).
وفي هذا إنذار بأنه يوشك أن يمسك عنهم المطر فيقعوا في القحط والجوع وهو ما حدث عليهم بعد هجرة النبي ( ﷺ ) إلى المدينة ودعائه عليهم بسنين كَسِنِي يوسف فإنه دعا بذلك في المدينة في القنوت كما في حديث ( الصحيحين ) عن أبي هريرة وقد بينا ذلك في سورة الدخان. وقد كانوا يوم نزول هذه الآية في بحبوحة من العيش وفي نخيل وجنات فكان جَعْل ترتُّببِ الإِسقاء على الاستقامة على الطريقة كما اقتضاه الشرط بحرف ) لو ( مشيراً إلى أن المراد : لأدَمْنا عليهم الإِسقاء بالماء الغَذَق، وإلى أنهم ليسوا بسالكين سبيل الاستقامة فيوشك أن يُمسك عنهم الري ففي هذا إنذار بأنهم إن استمروا على اعوجاج الطريقة أمسك عنهم الماء. وبذلك يتناسب التعليل بالإِفتان في قوله :( لنفتنهم فيه ( مع الجملة السابقة إذ يكون تعليلاً لما تضمنَه معنى إدامة الإِسقاء فإنه تعليل للإِسقاء الموجود حين نزول