" صفحة رقم ٢٤٨ "
يطلع لأن ) يظهر ( جاء من الظهور وهو المشاهدة ولتضمينه معنى : يطلع، عدي بحرف ) على ).
ووقوع الفعل في حيّز النفي يفيد العموم، وكذلك وقوع مفعوله وهو نكرة في حيّزه يفيد العموم.
وحرف ) على ( مستعمل في التمكن من الاطلاع على الغيب وهو كقوله تعالى ) وأظهره الله عليه ( ( التحريم : ٣ ) فهو استعلاء مجازي.
واستثنى من هذا النفي من ارتضاه ليطلعه على بعض الغيب، أي على غيب أراد الله إظهاره من الوحي فإنه من غيب الله، وكذلك ما أراد الله أن يؤيد به رسوله ( ﷺ ) من إِخبار بما سيحدث أو إطلاع على ضمائر بعض الناس.
فقوله :( ارتضى ( مستثنى من عموم ) أحداً ). والتقدير : إلاّ أحداً ارتضاه، أي اختاره للاطلاع على شيء من الغيب لحكمة أرادها الله تعالى.
والإِتيان بالموصول والصلة في قوله :( إلاّ مَن ارتضَى مِن رسول ( لقصد ما تؤذن به الصلة من الإِيماء إلى تعليل الخبر، أي يطلع الله بعض رسله لأجل ما أراده الله من الرسالة إلى النّاس، فيُعْلم من هذا الإِيمان أن الغيب الذي يطلع الله عليه الرسل هو من نوع ما له تعلق بالرسالة، وهو غيب ما أراد الله إبلاغه إلى الخلق أن يعتقدوه أو أن يفعلوه، وما له تعلق بذلك من الوعد والوعيد من أمور الآخرة، أو أمور الدنيا، وما يؤيد به الرسل عن الإِخبار بأمور مغيبة كقوله تعالى :( غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ( ( الروم : ٢ ٤ ).
والمراد بهذا الإِطلاعُ المحقق المفيد علماً كعلم المشاهدة. فلا تشمل الآية ما قد يحصل لبعض الصالحين من شرح صدر بالرؤيا الصادقة، ففي الحديث :( الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوءة، أو بالإِلهام ). قال النبي ( ﷺ ) ( قد كان يكون في الأمم قبلكم محدِّثون فإن يَكُنْ في أمتِي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم ) رواه مسلم. قال مسلم : قال ابن وهب : تفسير محدثون : ملهِمون.
وقد قال مالك في الرؤيا الحسنة : أنها تسرُّ ولا تغرُّ، يريد لأنها قد يقع الخطأ في تأويلها.