" صفحة رقم ٢٥٣ "
يعني وذلك كله بمكة، أي فتكون السورة كلها مكية فتعيّن أن قوله : قم اللّيل ( ( المزمل : ٢ ) أُمِر به في مكة.
والروايات تظاهرت على أن قوله :( إن ربك يعلم أنّك تقوم إلى آخر السورة نزل مفصولاً عن نزول ما قبله بمدة مختلف في قدرها، فقالت عائشة : نزل بعد صدر السورة بسنة، ومثلَه روى الطبري عن ابن عباس، وقال الجمهور : نزل صدر السورة بمكة ونزل إن ربك يعلم ( إلى آخرها بالمدينة، أي بعد نزول أولها بسنين.
فالظاهر أن الأصح أن نزول ) إن ربك يعلم إلى آخر السورة نزل بالمدينة لقوله تعالى : وءاخرون يقاتلون في سبيل الله ( ( المزمل : ٢٠ ) إنْ لم يكن ذلك إنباء بمغيب على وجه المعجزة.
وروى الطبري عن سعيد بن جبير ( قال : لما أنزل الله على نبيئه ( ﷺ ) ) يا أيها المزمل ( ( المزمل : ١ ) مكث النبي ( ﷺ ) على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه فأنزل الله بعد عشر سنين ) إن ربك يعلم أنك تقوم ( إلى ) وأقيموا الصلاة ( ( المزمل : ٢ ) ا هـ، أي نزلت الآيات الأخيرة في المدينة بناء على أن مُقام النبي ( ﷺ ) بمكة كان عشر سنين وهو قول جم غفير.
والروايات عن عائشة مضطربة فبعضها يقتضي أن السورة كلها مكية وأن صدرها نزل قبل آخرها بسنة قبل فرض الصلاة وهو ما رواه الحاكم في نقل صاحب ( الإِتقان ). وذلك يقتضي أن أول السورة نزل بمكة، وبعض الروايات يقول فيها : إنها كانت تفرِش لرسول الله ( ﷺ ) حصيراً فَصلى عليه من الليل فتسامع الناس فاجتمعوا فخرج مغضبًا وخشي أن يُكتب عليهم قيام الليل ونزل ) يا أيها المزمل قم الليل إلاّ قليلاً ( ( المزمل : ١، ٢ ) فكُتبت عليهم بمنزلة الفريضة ومكثوا على ذلك ثمانية أشهر ثم وضع الله ذلك عنهم، فأنزل ) إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ( إلى ) فتابَ عليكم ( ( المزمل : ٢٠ )، فردهم إلى الفريضة ووضع عنهم النافلة. وهذا ما رواه الطبري بسندين إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة، وهو يقتضي أن السورة كلها مدنية لأن النبي ( ﷺ ) لم يْبننِ بعائشة إلاّ في المدينة، ولأن قولها :( فخرج مغضباً ) يقتضي أنه خرج من بيته المفضي إلى مسجده، ويُؤَيِّده أخبار تثبت قيام الليل في مسجده.


الصفحة التالية
Icon