" صفحة رقم ٢٦٠ "
الأصوات واشتغال الناس فتكون نفس القائم فيه أقوى استعداداً لتلقي الفيض الرباني.
يجوز أن يكون متعلقاً بقيام الليل، أي رتل قراءتك في القيام.
ويجوز أن يكون أمراً مستقلاً بكيفية قراءة القرآن جرى ذكره بمناسبة الأمر بقيام الليل، وهذا أولى لأن القراءة في الصلاة تدخل في ذلك. وقد كان نزول هذه السورة في أول العهد بنزول القرآن فكان جملة القرآن حين نزول هذه السورة سورتين أو ثلاثَ سور بناء على أصح الأقوال في أن هذا المقدار من السورة مكي، وفي أن هذه السورة من أوائل السور، وهذا مما أشعر به قوله :( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ( ( المزمل : ٥ ) أي سنوحي إليك قرآناً.
فأمر النبي ( ﷺ ) أن يقرأ القرآن بمهل وتبيين.
والترتيل : جعل الشيء مرتَّلاً، أي مفرقاً، وأصله من قولهم : ثَغْر مرتَّل، وهو المفلج الأسنان، أي المفرق بين أسنانه تفرقاً قليلاً بحيث لا تكون النواجذ متلاصقة. وأريد بترتيل القرآن ترتيل قراءته، أي التمهل في النطق بحروف القرآن حتى تخرج من الفم واضحةً مع إشباع الحركات التي تستحق الإِشباع. ووصَفَتْ عائشة الترتيل فقالت :( لو أراد السامع أن يعُد حروفه لعدها لا كسَرْدِكم هذا ).
وفائدة هذا أن يرسخ حفظه ويتلقاه السامعون فيعلَقُ بحوافظهم، ويتدبر قارئه وسامعه معانيَه كي لا يسبق لفظُ اللسان عملَ الفهم. قال قائل لعبد الله بن مسعود : قرأت المفصل في ليلة فقال عبد الله :( هَذًّا كهَذًّ الشعر ) لأنهم كانوا إذا أنشدوا القصيدة أسرعوا ليظهر مِيزان بَحرها، وتتعاقب قوافيها على الأسماع. والهذُّ إسراع القطع.
وأكد هذا الأمر بالمفعول المطلق لإِفادة تحقيق صفة الترتيل. وقرأ الجمهور ) أو انقص ( بضم الواو للتخلص من التقاء الساكنين عند سقوط همزة الوصل، حركوا الواو بضمّة لمناسبة ضمة قاف ) انقص ( بعدها. وقرأه حمزة وعاصم بكسر الواو على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين.