" صفحة رقم ٢٦٣ "
في الليل بتفرغه لها وهدوء باله من الأشغال النهارية تمكّن الواطىء على الأرض فهو أمكن للفعل. والمعنى : أشد وقعاً، وبهذا فسره جابر بن زيد والضحاك وقاله الفراء.
ويجوز أن يكون الوطء مستعاراً لحالة صلاة الليل وأثرها في المصلي، أي أشد أثر خير في نفسه وأرسخ خيراً وثواباً، وبهذا فسره قتادة.
وقرأه ابن عامر وأبو عمرو وحده ) وِطاءً ( بكسر الواو وفتح الطاء ومدها مصدر وَاطَأ من مادة الفعال. والوِطاء : الوفاق والملاءمة، قال تعالى :( ليواطئوا عدة ما حرم الله ( ( التوبة : ٣٧ ). والمعنى : أن صلاة الليل أوفق بالمصلي بين اللسان والقلب، أي بين النطق بالألفاظ وتفهم معانيها للهدوء الذي يحصل في الليل وانقطاع الشواغل وبحاصل هذا فسر مجاهد.
وضمير ) هي ( ضمير فصل، وانظر ما سيأتي عند قوله تعالى :( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً ( ( المزمل : ٢٠ ) في وقوع ضمير الفصل بين معرفة واسم تفضيل. وضمير الفصل هنا لتقوية الحكم لا للحصر.
والأقوم : الأفضل في التقوي الذي هو عدم الاعوجاح والالتواء واستعير ) أقوم ( للأفضل الأنفع.
و ) قيلاً ( : القَول، وأريد به قراءة القرآن لتقدم قوله :( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ( ( المزمل : ٥ ). فالمعنى : أن صلاة الليل أعون على تذكر القرآن والسلامة من نسيان بعض الآيات، وأعون على المزيد من التدبر. قال ابن عباس :( وأقوم قيلاً ( : أدنى من أن يفقهوا القرآن. وقال قتادة : أحفظ للقراءة، وقال ابن زيد : أقوم قراءة لفراغه من الدنيا.
وانتصب ) وطْأً ( و ) قيلاً ( نسبة تمييزي ل ) أشد ( ول ) أقوم ).
فصل هذه الجملة دون عطف على ما قبلها يقتضي أن مضمونها ليس من جنس حكم ما قبلها، فليس المقصود تعيين صلاة النهار إذ لم تكن الصلوات الخمس قد فرضت يومئذٍ على المشهور، ولم يفرض حينئذٍ إلاّ قيام الليل.