" صفحة رقم ٢٧٣ "
واختير لهم ضرب المثل بفرعون مع موسى عليه السلام، لأن الجامع بين حال أهل مكة وحال أهل مصر في سبب الإِعراض عن دعوة الرسول هو مجموع ما هم عليه من عبادة غير الله، وما يملأ نفوسهم من التكبر والتعاظم على الرسول المبعوث إليهم بزعمهم أن مثلهم لا يطيع مِثله كما حكى الله تعالى عنهم بقوله :( فقالوا أنؤمن لبشرين مثِلنا وقومُهما لنا عابدون ( ( المؤمنون : ٤٧ ) وقد قال أهل مكة ) لولا نُزِّل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم ( ( الزخرف : ٣١ ) وقد حكى الله عنهم أنهم قالوا ) لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتَوْا عُتُوّاً كبيراً ( ( الفرقان : ٢١ ). وقد تكرر في القرآن ضرب المثل بفرعون لأبي جهل وهو زعيم المناوين للنبيء ( ﷺ ) والمؤلبين عليه وأشد صناديد قريش كفراً.
وأُكد الخبر ب ( إنَّ ) لأن المخاطبين منكرون أن الله أرسل إليهم رسولاً.
ونكر ) رسولاً ( لأنهم يعلمون المعنيَّ به في هذا الكلام، ولأن مناط التهديد والتنظير ليس شخص الرسول ( ﷺ ) بل هو صفة الإِرسال.
وأدمج في التنظير والتهديدِ وصفُ الرسول ( ﷺ ) بكونه شاهداً عليهم.
والمراد بالشهادة هنا : الشهادة بتبليغ ما أراده الله من الناس وبذلك يكون وصف ) شاهداً ( موافقاً لاستعمال الوصف باسم الفاعل في زمن الحال، أي هو شاهد عليكم الآن بمعاودة الدعوة والإِبلاغ.
وأما شهادة الرسول ( ﷺ ) يوم القيامة فهي شهادة بصدق المسلمين في شهادتهم على الأمم بأن رسلهم أبلغوا إليهم رسالات ربّهم، وذلك قوله تعالى :( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً كما ورد تفصيل تفسيرها في الحديث الصحيح، وقد تقدم في سورة البقرة.
وتنكير رسولاً ( المرسَل إلى فرعون لأن الاعتبار بالإِرسال لا بشخص المرسل إذ التشبيه تعلق بالإِرسال في قوله :( كما أرسلنا إلى فرعون ( إذ تقديره كإرسالنا إلى فرعون رسولاً.
وتفريع ) فعصى فرعون الرسول ( إيماء إلى أن ذلك هو الغرض من هذا الخبر وهو التهديد بأن يحلّ بالمخاطبين لمَّا عصوا الرسول ( ﷺ ) مِثلُ ما حلّ بفرعون.


الصفحة التالية
Icon