" صفحة رقم ٢٨ "
ويؤخذ من هذه الآية أن قوام الصلاح في حسن التلقي وحسن النظر وأن الأثر والنظر، أي القياس هما أصلا الهدى، ومن العجيب ما ذكره صاحب ( الكشاف ) : أن من المفسرين من قال : إن المراد من الآية : لو كنا على مذهب أصحاب الحديث أو على مذهب أصحاب الرأي. ولم أقف على تعيين من فسر الآية بهذا ولا أحسبه إلاّ من قبيل الاسترواح.
و ) أو ( للتقسيم وهو تقسيم باعتبار نوعي الأحوال التي تقتضي حسن الاستماع تارة إذا ألقي إليها إرشاد، وحسنَ التفهم والنظر تارة إذا دعيت إلى النظر من داع غير أنفسها، أو من دواعي أنفسها، قال تعالى :( فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ( ( الزمر : ١٧ ١٨ ).
ووجه تقديم السمع على العقل أن العقل بمنزلة الكليّ والسمع بمنزلة الجُزئي ورعياً للترتيب الطبيعي لأن سمع دعوة النذير هو أول ما يتلقاه المنذَرون، ثم يُعمِلون عقولهم في التدبر فيها.
الفاء الأولى فصيحة، والتقدير : إذ قالوا بذلك فقد تبين أنهم اعترفوا هنالك بذنبهم، أي فهم محقوقون بما هم فيه من العذاب.
والسُحق : اسم مصدر معناه البعد، وهو هنا نائب عن الإسحاق لأنه دعاء بالإِبعاد فهو مفعول مطلق نائب عن فعله، أي أسحقهم الله إسحاقاً، ويجوز أن يراد من هذا الدعاء التعجيب من حالهم كما يقال : قاتله الله، وويل له، في مقام التعجب.
والفاء الثانية للتسبب، أي فهم جديرون بالدعاء عليهم بالإبعاد أو جديرون بالتعجيب من بُعدهم عن الحق، أو عن رحمة الله تعالى. ويحتمل أيضاً أن يقال لهم يومَ الحساب عقبَ اعترافهم، تنديماً يزيدهم ألماً في نفوسهم فوق ألم الحريق في جلودهم.
واللام الداخلة على ( سحقاً ) لام التقوية إن جعل ( سحقاً ) دعاء عليهم بالإِبعاد لأن المصدر فرع في العمل في الفعل، ويجوز أن يكون اللام لام التبيين