" صفحة رقم ٢٩٥ "
يا ربَّةَ البيتِ قُومِي غيرَ صاغرة
ضُمّي إليككِ رجال الحي والغُربا
فإذا اتصلت بفعل القيام الذي هو بهذا المعنى الاستعمال جملةٌ حصل من مجموعهما معنى الشروع في الفعل بجد وأنشدوا قول حسان بن المنذر :
على مَا قام يشتمني لئيم
كخنزِير تمرَّغ في رماد
وقول الشاعر، وهو من شواهد النحو وَلم يعرف قائله :
فقام يذود الناس عنها بسيفه
وقال ألا لا من سبيللٍ إلى هند
وأفادت فاء ) فأنذر ( تعقيب إفادة التحفز والشروع بالأمر بإيقاع الإِنذار.
ففعل ) قم ( منزَّل منزلة اللازم، وتفريع ) فأنذر ( عليه يبين المراد من الأمر بالقيام.
والمعنى : يا أيها المدثر من الرعب لرؤية مَلَك الوحي لا تخف وأقبل على الإِنذار.
والظاهر : أن هذه الآية أول ما نزل في الأمر بالدعوة لأن سورة العلق لم تتضمن أمراً بالدعوة، وصدر سورة المزمل تضمن أنه مسبوق بالدعوة لقوله فيه ) إِنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم ( ( المزمل : ١٥ )، وقوله :( وذَرني والمكذبين ( ( المزمل : ١١ ). وإنما كان تكذيبهم بعد أن أبلغهم أنه رسول من الله إليهم وابتدىء بالأمر بالإنذار لأن الإنذار يجمع معاني التحذير من فعل شيء لا يليق وعواقبه فالإِنذار حقيق بالتقديم قبل الأمر بمحامد الفعال لأن التخلية مقدمة على التحلية ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولأن غالب أحوال الناس يومئذٍ محتاجة إلى الإِنذار والتحذير.
ومفعول ) أنذر ( محذوف لإِفادة العُموم، أي أنذر الناس كلهم وهم يومئذٍ جميع الناس ما عدا خديجة رضي الله عنها فإنها آمنت فهي جديرة بالبشارة.
انتصب ) ربّك ( على المفعولية لفعل ( كَبِّر ) قُذم على عامله لإِفادة الاختصاص، أي لا تكبر غيره، وهو قصر إفراد، أي دون الأصنام.


الصفحة التالية
Icon