" صفحة رقم ٣١٧ "
سوء فهمهم لهذه العِدة تمهيداً بالتعريض قبل التصريح، لأنه إذا قيل ) ولا يرتاب الذين أُوتوا الكتاب والمؤمنون ( شعر الذين في قلوبهم مرض والكافرون بأنهم لما ارتابوا في ذلك فقد كانوا دون مرتبة الذين أوتوا الكتاب لأنهم لا ينازعون في أن الذين أوتوا الكتاب أرجح منهم عقولاً وأسد قولاً، ولذلك عطف عليه ) وليقولَ الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً (، أي ليقولوا هذا القول إعراباً عما في نفوسهم من الطعن في القرآن غير عالمين بتصديق الذين أوتوا الكتاب.
واللام لام العاقبة مثل التي في قوله تعالى :( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً ( ( القصص : ٨ ).
والمرض في القلوب : هو سوء النية في القرآن والرسول ( ﷺ ) وهؤلاء هم الذين لم يزالوا في تردد بين أن يسلموا وأن يبقوا على الشرك مثل الأخنس بن شَرِيق والوليد بن المغيرة، وليس المراد بالذين في قلوبهم مرض المنافقون لأن المنافقين ما ظهروا إلاّ في المدينة بعد الهجرة والآية مكية.
و ) ماذا أراد الله ( استفهام إنكاري فإن ( ما ) استفهامية، و ( ذا ) أصله اسم إشارة فإذا وقع بعد ( ما ) أو ( مَن ) الاستفهاميتين أفاد معنى الذي، فيكون تقديره : ما الأَمر الذي أراده الله بهذا الكلام في حال أنه مثل، والمعنى : لم يرد الله هذا العدد الممثل به، وقد كُنّي بنفي إرادة الله العدد عن إنكار أن يكون الله قال ذلك، والمعنى : لم يرد الله العدد الممثل به فكنَّوا بنفي إرادة الله وصفَ هذا العددِ عن تكذيبهم أن يكون هذا العدد موافقاً للواقع لأنهم ينفون فائدته، وإنما أرادوا تكذيب أن يكون هذا وحياً من عند الله.
والإِشارة بهذا إلى قوله :( عليها تسعةَ عشر ( ( المدثر : ٣٠ ).
و ) مثلاً ( منصوب على الحال من هذا، والمثل : الوصف، أي بهذا العدد وهو تسعة عشر، أي ما الفائدة في هذا العدد دون غيره مثل عشرين.
والمثل : وصف الحالة العجيبة، أي ما وصَفه من عدد خزنة النار كقوله تعالى :( مثل الجنّة التي وعد المتقون ( ( محمد : ١٥ ) الآية.