" صفحة رقم ٣٢٣ "
المستقبلة من إدبار الليل بعد نزول الآية، على وزان ) إذَا أسفر ( في قراءة الجميع، وكل ذلك مستقيم فقد حصل في قراءة نافع وموافقيه تفنن في القسم.
و ) الكُبَر ( : جمع الكبرى في نوعها، جمعوه هذا الجمع على غير قياسسِ بابه لأن فُعْلى حقها أن تجمع جمع سلامة على كبريات، وأما بنية فُعل فإنها جمع تكسير لفُعْلة كغُرفة وغُرف، لكنهم حملوا المؤنث بالألف على المؤنث بالهاء لأنهم تأولوه بمنزلة اسم للمصيبة العظيمة ولم يعتبروه الخصلة الموصوفة بالكِبر، أي أُنثى الأكبر فلذلك جعلوا ألف التأنيث التي فيه بمنزلة هاء التأنيث فجمعوه كجمع المؤنث بالهاء من وزن فعلة ولم يفعلوا ذلك في إخواته مثل عظمى.
وانتصب ) نذيراً ( على الحال من ضمير ) إِنها (، أي إنها لعُظمَى العظائم في حال إنذارها للبشر وكفى بها نذيراً.
والنذير : المُنذر، وأصله وصف بالمصدر لأن ) نذيراً ( جاء في المصادر كما جاء النكير، والمصدر إذا وصف به أو أخبر به يلزم الإِفرادَ والتذكيرَ، وقد كثر الوصف ب ( النذير ) حتى صار بمنزلة الاسم للمُنذر.
وقوله :( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ( بدل مفصل من مجمل من قوله ) للبشر (، وأعيد حرف الجر مع البدل للتأكيد كقوله تعالى :( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم ( ( الأعراف : ٧٥ )، وقوله :( إن هو إلاّ ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم ( ( التكوير : ٢٧، ٢٨ ) وقوله تعالى :( تكون لنا عيداً لأوَّلنا وآخِرِنا ( ( المائدة : ١١٤ ). والمعنى : إنها نذير لمن شاء أن يتقدم إلى الإِيمان والخير لينتذر بها، ولمن شاء أن يتأخر عن الإيمان والخير فلا يرعوي بنذارتها لأن التقدّم مشي إلى جهة الإمام فكأنَّ المخاطب يمشي إلى جهة الداعي إلى الإِيمان وهو كناية عن قبول ما يدعو إليه، وبعكسه التأخر، فحذف متعلق ) يتقدم ويتأخّر ( لظهوره من السياق.
ويجوز أن يقدر : لمن شاء أن يتقدم إليها، أي إلى سَقَر بالإِقدام على الأعمال التي تُقدمه إليها، أو يتأخر عنها بتجنب ما من شأنه أن يقربه منها.
وتعليق ) نذيراً ( بفعل المشيئة إنذار لمن لا يتذكر بأن عدم تذكره ناشىء عن عدم مشيئته فتبعتُه عليه لتفريطه على نحو قول المثل ( يَداك أوكَتا وفُوك نفخ )، وقد تقدم في سورة المزمل قوله :( إنَّ هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربّه سبيلاً