" صفحة رقم ٣٢٩ "
( ٤٩ ٥١ ).
تفريع للتعجيب من إصرارهم على الإِعراض عن ما فيه تذكرة على قوله :( وما هي إلاّ ذِكْرى للبشر ( ( المدثر : ٣١ ).
وجيء باسم التذكرة الظاهر دون أن يؤتى بضمير نحو : أن يقال : عنها معرضين، لئلا يختص الإِنكار والتعجيب بإعراضهم عن تذكرة الإِنذار بسقَر، بل المقصود التعميم لإِعراضهم عن كل تذكرة وأعظمها تذكرة القرآن كما هو المناسب للإِعراض قال تعالى :( إنْ هو إلاّ ذِكْر للعالمين ( ( التكوير : ٢٧ ).
و ) ما لهم ( استفهام مستعمل في التعجيب من غرابة حالهم بحيث تجدر أن يستفْهِم عنها المستفهِمُون وهو مجاز مرسل بعلاقة الملازمة، و ) لهم ( خبر عن ( ما ) الاستفهامية. والتقدير : ما ثبت لهم، و ) معرضين ( حال من ضمير ) لهم (، أي يستفهم عنهم في هذه الحالة العجيبة.
وتركيب : ما لَكَ ونحوهُ، لا يخلو من حال تلحق بضميره مفردةٍ أو جملة نحو ) ما لك لاَ تأمنّا على يوسف في سورة يوسف. وقوله تعالى : فما لهم لا يؤمنون في سورة الانشقاق. وقوله : ما لكم كيف تحكمون في سورة الصافات وسورة القلم. وعن التذكرة ( متعلق ب ) معرضين.
وشُبهتْ حالة إعراضهم المتخيَّلة بحالة فرار حُمُر نافرة مما ينفرها.
والحُمر : جمع حمار، وهو الحمار الوحشي، وهو شديد النفار إذا أحس بصوت القانص وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس.
وقد كثر وصف النفرة وسرعة السير والهَرب بالوحش من حُمرٍ أو بقرِ وحش إذا أحسسنَ بما يرهبنه كما قال لبيد في تشبيه راحلته في سرعة سيرها بوحشية لحقها الصياد :
فتوجَّسَت رِزّ الأنيس فراعَها
عَنْ ظَهْرِ غَيْببٍ والأنيسُ سَقَامها
وقد كثر ذلك في شعر العرب في الجاهلية والإِسلام كما في معلقة طرفة، ومعلقة لبيد، ومعلقة الحارث، وفي أراجيز الحجَّاج ورؤيَة ابنهِ وفي شعر ذي الرمة.


الصفحة التالية
Icon