" صفحة رقم ٣٤٠ "
والعظام : كناية عن الجسد كله، وإنما خصت بالذكر لحكاية أقوالهم ) من يُحيي العظام وهي رميم ( ( يس : ٧٨ ) ) أإذا كنا عظاماً ورفاتاً إنا لمبعوثون ( ( الإسراء : ٤٩ ) ) أإذَا كنا عظاماً نخرة ( ( النازعات : ١١ ) فهم احتجوا باستحالة قبول العظام للإِعادة بعد البِلى، على أن استحالة إعادة اللحم والعصب والفؤاد بالأولى. فإثبات إعادة العظام اقتضى أن إعادة بقية الجسم مساوٍ لإِعادة العظم وفي ذلك كفاية من الاستدلال مع الإِيجاز.
ثم إن كانت إعادة الخلق بجَمع أجزاء أجسامهم المتفرقة من ذراتتٍ الله أعلم بها، وهو أحد قولين لعلمائنا، ففعل ) نجمع ( محمول على حقيقته. وإن كان البعث بخلق أجسام أخرى على صور الأجسام الفانية سواء كان خلقاً مستأنفاً أو مبتدأ من أعجاب الأذناب على ما ورد في بعض الأخبار وهما قولان لعلمائنا. ففعل ) نجمع ( مستعار للخلق الذي هو على صورة الجسم الذي بلِيَ. ومناسبة استعارته مشاكلةُ أقوال المشركين التي أريد إبطالُها لتجنب الدخول معهم في تصوير كيفية البعث، ولذلك لا ترى في آيات القرآن إلاّ إجمالها ومِن ثَم اختلف علماء الإِسلام في كيفية إعادة الأجسام عند البعث. واختار إمام الحرمين التوقف، وآيات القرآن ورد فيها ما يصلح للأمرين.
و ) بَلَى ( حرف إبطال للنفي الذي دل عليه ) لن نجمع عظامه ( فمعناه بل تجمع عظامه على اختلاف المحملين في معنى الجمع.
و ) قادرين ( حال من الضمير في الفعل المحذوف بعد ) بَلَى ( الذي يدل عليه قوله :( أن لن نجمع، ( أي بل نجمعها في حال قدرتنا على أن نُسوي بَنانه.
ويجوز أن يكون ) بلى ( إبطالاً للنفيين : النفي الذي أفاده الاستفهام الإِنكاري من قوله ) أيحسب الإِنسان ( والنفي الذي في مفعول ) يحسب (، وهو إبطال بزجر، أي بَل لِيحسِبْنا قادرين، لأن مفاد ) أن لَنْ نجمع عظامه ( أن لا نقدر على جمع عظامه فيكون ) قادرين ( مفعولاً ثانياً لِيَحْسِبْنَا المقدر، وعدل في متعلق ) قادرين ( عن أن يقال : قادرين على جمع عظامه إلى قادرين على أن نسوي بنانه لأنه أوفر معنى وأوفق بإرادة إجمال كيفية البعث والإِعادة.
ولمراعاة هذه المعاني عُدل عن رفع : قادرون، بتقدير : نحن قادرون، فلم يقرأ بالرفع.


الصفحة التالية
Icon