" صفحة رقم ٣٤٧ "
وتنبئةُ الإِنسان بما قدّم وأخرّ كناية عن مجازاته على ما فعله : إن خيراً فخيرٌ وإن سُوءاً فسوءٌ، إذ يقال له : هذا جزاء الفعلة الفلانية فيعلم من ذلك فعلَته ويلقَى جزاءها، فكانَ الإِنباء من لوازم الجزاء قال تعالى :( قل بلى وربي لَتُبْعَثُنّ ثم لَتُنَبَّؤنَّ بما عَمِلتم ( ( التغابن : ٧ ) ويحصل في ذلك الإِنباء تقريع وفضح لحاله.
والمراد ب ) ما قدم ( : ما فَعَله وب ) ما أخرّ ( : ما تركه مما أُمر بفعله أو نهي عن فعله في الحالين فخالف ما كُلف به ومما علَّمه النبي ( ﷺ ) من الدعاء :( فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ).
( ١٤ ١٥ ).
إضراب انتقالي، وهو للترقي من مضمون ) يُنَبَّأُ الإِنسان يومئذٍ بما قدم وأخّر ( ( القيامة : ١٣ ) إلى الإِخبار بأن الكافر يَعلَم ما فعله لأنهم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، إذ هو قرأ كتاب أعماله فقال :( يا ليتني لم أوتَ كتابِيَهْ ولم أدر ما حِسَابيهْ ( ( الحاقة : ٢٥، ٢٦ )، ) ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ( ( الكهف : ٤٩ ). وقال تعالى :( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ( ( الإسراء : ١٤ ).
ونظم قوله :( بل الإِنسان على نفسه بصيرة ( صالح لإِفادة معنيين :
أولهما أن يكون ) بصيرة ( بمعنى مبصر شديد المراقبة فيكون ) بصيرة ( خبراً عن ) الإنسان ). و ) على نفسه ( متعلقاً ب ) بصيرة (، أي الإِنسان بصيرٌ بنفسه. وعُدّي بحرف ) على ( لتضمينه معنى المراقبة وهو معنى قوله في الآية الأخرى :( كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ). وهاء ) بصيرة ( تكون للمبالغة مثل هاء علامة ونسَّابة، أي الإِنسان عليم بصير قوي العلم بنفسه يومئذٍ.
والمعنى الثاني : أن يكونَ ) بصيرة ( مبتدأ ثانياً، والمراد به قرين الإِنسان من الحفظة وعلى نفسه خبرَ المبتدأ الثاني مقدماً عليه، ومجموعُ الجملة خبراً عن ) الإنسان (، و ) بصيرة ( حينئذٍ يحتمل أن يكون بمعنى بصير، أي مبصر


الصفحة التالية
Icon