" صفحة رقم ٣٥٣ "
فيوماً بخيل تَطْرُد الروم عنهم
وَيْومٌ بِجُود تَطرد الفَقر والجَدْبا
فالوجوه الناضرة الموصوفةُ بالنضْرة ( بفتح النون وسكون الضاد ) وهي حسن الوجه من أثر النعمة والفرح، وفعله كنصَر وكرُم وفرِح، ولذلك يقال : ناضر ونَضير ونَضِر، وكُني بنضرة الوجوه عن فرح أصحابها ونعيمهم، قال تعالى في أهل السعادة ) تعرف في وجوههم نضرة النعيم ( ( المطففين : ٢٤ ) لأن ما يحصل في النفس من الانفعالات يظهر أثره.
وأخبر عنها خبراً ثانياً بقوله :( إلى ربها ناظرة ( وظاهر لفظ ) ناظرة ( أنه من نظَر بمعنى : عايَن ببصره إعلاناً بتشريف تلك الوجوه أنها تنظر إلى جانب الله تعالى نظراً خاصاً لا يشاركها فيه من يكون دون رتبهم، فهذا معنى الآية بإجماله ثابت بظاهر القرآن وقد أيدتها الأخبار الصحيحة عن النبي ( ﷺ )
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ( أن أناساً قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هَل تُضَارُّون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحواً ؟ قلنا : لا، قال : فإنكم لا تُضَارُّون في رؤية ربكم يومئذٍ إلاّ كما تضارون في رؤيتهما ).
وفي رواية ( فإنكم ترونه كذلك ) وساق الحديث في الشفاعة.
وروى البخاري عن جرير بن عبد الله قال :( كنا جلوساً عند النبي ( ﷺ ) إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامُون في رؤيته ) وربما قال :( سترون ربكم عياناً ).
وروى مسلم عن صهيب بن سنان عن النبي ( ﷺ ) قال :( إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ يقول الله تعالى : تُريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون : ألَم تبيّض وجوهنا ألم تُدْخِلْنا الجنة وتنجِّنا من النار، قال : فيَكْشِف الحجابَ فما يُعطَوْن شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم ).
فدلالة الآية على أن المؤمنين يرون بأبصارهم رؤية متعلقة بذات الله على الإِجمال دلالة ظنية لاحتِمَالها تأويلات تأوَّلَها المعتزلةُ بأن المقصود رؤية جلاله وبهجة قدسه التي لا تخوِّل رؤيتها لغير أهل السعادة.