" صفحة رقم ٣٦٤ "
قال قتادة : إن رسول الله ( ﷺ ) خرج من المسجد فاستقبله أبو جهل على باب بني مخزوم فأخذ رسول الله فلبَّبَ أبا جهل بثيابه وقال له ) أولى لك فأولى ثم أولَى لك فأولى ( قال أبو جهل : يتهددني محمد ( أي يستعمل كلمة الدعاء في إرادة التهديد ) فوالله إني لأَعَزُّ أهلِ الوادي. وأنزل الله تعالى ) أولى لك فأولى ( كما قَال لأبي جهل.
وقوله :( ثم أولى لك فأولى ( تأكيد للدعاء عليه ولتأكيده السابق.
وجيء بحرف ) ثم ( لعطف الجملة دلالة على أن هذا التأكيد ارتقاء في الوعيد، وتهديد بأشدَّ مما أفاده التهديد الأول وتأكيدُه كقوله تعالى :( كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ( ( التكاثر : ٣، ٤ ).
وأحسب أن المراد : كُلُّ إنسان كافر كما يقتضيه أول الكلام من قوله ) أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه إلى قوله : بل الإِنسان على نفسه بصيرة ( ( القيامة : ٣ ١٤ )، وما أبو جهل إلاّ مِن أولهم، وأن النبي ( ﷺ ) توعده باللفظ الذي أنزله الله تهديداً لأمثاله.
وكلمات المتقدمين في كون الشيء سبب نزول شيء من القرآن كلمات فيها تسامح.
استئناف ابتدائي عاد به الكلام إلى الاستدلال على إمكان البعث وهو ما ابتُدىء به فارتبط بقوله :( أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه ( ( القيامة : ٣ ) فكأنه قيل : أيحسب أن لن نجمع عظامه ويحسبُ أن نتركه في حالة العدم.
وزيد هنا أن مقتضى الحكمة الإِلاهية إيقاعُه بقوله :( أن يُترك سُدى ( كما ستعلمه.
والاستفهام إنكاري مثل الذي سبقه في قوله تعالى :( أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه ( ( القيامة : ٣ ).
وأصل معنى الترك : مفارقة شيء شيئاً اختياراً من التَّارك، ويطلق مجازاً على


الصفحة التالية
Icon