" صفحة رقم ٣٦٦ "
ذلك مِن مفاسد جسيمة، لا يليق بحكمته أن يهمله مثل الحيوان فيجعل الصالحين كالمفسدين والطائعين لربهم كالمجرمين، وهو العليم القدير المتمكن بحكمته وقدرته أن يجعل إليهِ المصير، فلو أهمله لفاز أهل الفساد في عالم الكساد، ولم يلاق الصالحون من صلاحهم إلاّ الأَنكاد، ولا يناسب حكمة الحكيم إهمال الناس يَهِيمُون في كل وادي، وتركُهم مَضرباً لقوللِ المثل ( فإنّ الريح للعادِي ).
ولذلك قال في جانب الاستدلال على وقوع البعث ) أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه ( ( القيامة : ٣ )، أي لا نعيد خلقه ونبعثَه للجزاء كما أبلغناهم، وجاء في جانب حكمته بما يشابه الأسلوب السابق فقال :( أيحسب الإِنسان أن يُترك سُدى ( مع زيادة فائدة بما دلت عليه جملة ) أن يترك سدى (، أي لا يحسب أنه يترك غير مَرعِيّ بالتكليف كما تُترك الإِبل، وذلك يقتضي المجازاةَ. وعن الشافعي : لم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمتُ أن السُّدَى الذي لا يؤمر ولا ينهى اه. وقد تبين من هذا أن قوله :( أن يترك سدى ( كناية عن الجزاء لأن التكليف في الحياة الدنيا مقصود منه الجزاء في الآخرة.
( ٣٧ ٤٠ ).
استئناف هو علة وبيان للإِنكار المسوق للاستدلال بقوله :( أيحسب الإِنسان أن يُترك ( ( القيامة : ٣٦ ) الذي جعل تكريراً وتأييداً لمضمون قوله :( أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه الآية، أي أنَّ خلق الإِنسان من مادة ضعيفة وتدرجه في أطوار كيانِهِ دليل على إثبات القدرة على إنشائه إنشاء ثانياً بعد تفرق أجزائه واضمحلالها، فيتصل معنى الكلام هكذا : أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه ويُعد ذلك متعذراً. ألم نَبْدَأ خلقه إذْ كوَّنَّاه نطفة ثم تطوَّر خلقُه أطوَاراً فماذا يعجزنا أن نعيد خلقه ثانياً كذلك، قال تعالى : كما بدأنا أول خلق نعيده ( ( الأنبياء : ١٠٤ ).
وهذه الجمل تمهيد لقوله :( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ).
وهذا البيان خاص بأحد معنيي التَّرك في الآية وهو تركه دون إحياء وأكتفي