" صفحة رقم ٣٧٤ "
وصيغة ) أمشاج ( ظاهرها صيغة جمع وعلى ذلك حملها الفراء وابن السكيت والمبرد، فهي إما جمع مِشْج بكسر فسكون بوزن عِدْل، أي ممشوج، أي مخلوط مثل ذِبح، وهذا ما اقتصر عليه في ( اللسان ) و ( القاموس )، أو جمع مَشَج بفتحتين مثل سَبب وأسباب، أو جمع مَشِج بفتح فكسر مثل كَتِف وأكتاف.
والوجه ما ذهب إليه صاحب ( الكشاف ) : أن ) أمشاج ( مفرد كقولهم : بُرمة أعشار وبُرد أكياش ( بهمزة وكاف وتحتية وألف وشين معجمة الذي أعيد غزله مرتين ). قال :( ولا يصح أن يكون أمشاج جمع مَشَج بل هما ( أي مَشج وأمشاج ) مِثلان في الإِفراد اه. وقال بعض الكاتبين : إنه خالف كلام سيبويه. وأشار البيضاوي إلى ذلك، وأحسب أنه لم يَر كلام سيبويه صريحاً في منع أن يكون ) أمشاج ( مفرداً لأن أثبت الإِفراد في كلمة أنعام والزمخشري معروف بشدة متابعة سيبويه.
فإذا كان ) أمشاج ( في هذه الآية مفرداً كان على صورة الجمع كما في ( الكشاف ). فوصف ) نطفة ( به غير محتاج إلى تأويل، وإذا كان جمعاً كما جرى عليه كلام الفراء وابن السكيت والمبرد، كان وصف النطفة به باعتبار ما تشتمل عليه النطفة من أجزاء مختلفة الخواص، ( فلذلك يصير كل جزء من النطفة عضواً ) فوصفُ النطفة يجمع الاسم للمبالغة، أي شديدة الاختلاط.
وهذه الأمشاج منها ما هو أجزاء كيمائية نباتية أو ترابية ومنها ما هو عناصر قوى الحياة.
وجملة ) نبتليه ( في موضع الحال من الإِنسان وهي حال مقدرة، أي مريدين ابتلاءه في المستقبل، أي بعد بلوغه طور العقل والتكليف، وهذه الحال كقولهم : مررتُ برجل معه صِقر صائداً به غداً.
وقد وقعت هذه الحال معترضة بين جملة ) خلقنا ( وبين ) فجعلناه سَميعاً بصيراً ( لأن الابتلاء، أي التكليف الذي يظهر به امتثاله أو عصيانه إنما يكون بعد هدايته إلى سبيل الخير، فكان مقتضى الظاهر أن يقع ) نبتليه ( بعد جملة ) إنا هديناه السبيل ( ( الإنسان : ٣ )، ولكنه قدم للاهتمام بهذا الابتلاء الذي هو سبب السعادة والشقاوة.