" صفحة رقم ٣٨١ "
المتعارف بين الناس في طيب الخمر أن يوضع المسك في جوانب الباطية قال النابغة :
وتسقى إذا ما شئت غير مُصرَّد
بزوراء في حافاتها المسك كارع
ويختم على آنية الخمر بخاتم من مسك كما في قوله تعالى في صفة أهل الجنة :( يُسْقَوْن من رحيق مختوم ختامه مسك ( ( المطففين : ٢٥، ٢٦ ). وكانوا يجعلون الفلفل في الخمر لحسن رائحته ولذعة حرارته لذعة لذيذة في اللسان، كما قال امرؤ القيس :
صُبِّحْنَ سلافاً من رحيق مُفلفل
ويحتمل أن يكونوا يمزجون الخمر بماء فيه الكافور أو بزيته فيكون المزاج في الآية على حقيقته مما تمزج به الخمر ولعل ذلك كان من شأن أهل الترف لأن الكافور ثمين وهو معدود في العطور.
ومن المفسرين من قال : إن كافور اسم عين في الجنة لأجل قوله عقبه ) عيناً يشرب بها عباد الله ( وستعلم حق المراد منه.
وإقحام فعل ) كان ( في جملة الصفة بقوله :( كان مزاجها كافوراً ( لإِفادة أن ذلك مزاجها لا يفارقها إذ كان معتاد الناس في الدنيا ندرة ذلك المزاج لغلاء ثمنه وقلة وجدانه.
وانتصب ) عيناً ( على البدل من ) كافوراً ( أي ذلك الكافور تجري به عين في الجنة من ماء محلول فيه أو من زيته مثل قوله :( وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ( ( محمد : ١٥ ). وعدي فعل ) يشرب ( بالباء وهي باء الإِلصاق لأن الكافور يمزج به شرابهم. فالتقدير : عيْناً يشرب عباد الله خمرهم بها، أي مصحوباً بمائها، وذهب الأصمعي إلى أن الباء في قوله تعالى :( يشرب بها عباد الله ( بمعنى ( من ) التبعيضية ووافقه الفارسي وابن قتيبة وابن مالك، وعَدّ في كتبه ذلك من معاني الباء ونُسب إلى الكوفيين.
و ) عبادُ الله ( مراد بهم : الأبرار. وهو إظهار في مقام الإِضمار للتنويه بهم بإضافة عبوديتهم إلى الله تعالى إضافةَ تشريف.


الصفحة التالية
Icon