" صفحة رقم ٣٨٦ "
الذي هو مصدر فعَل اللازم لأن فعل الشكر لا يتعدى للمشكور بنفسه غالباً بل باللام يقال : شكرت لك قال تعالى :( واشكروا لي ( ( البقرة : ١٥٢ ).
وأما قوله :( إنّا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً ( فهو مقول لقول يقولونه في نفوسهم أو ينطق به بعضهم مع بعض وهو حال من ضمير ) يخافون ( ( الإنسان : ٧ ) أي يخافون ذلك اليوم في نفوسهم قائلين :( إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا (، فحكي وقولهم :( إنما نطعمكم لوجه الله ( وقولهم :( إنا نخاف ( الخ. على طريقة اللف والنشر المعكوس والداعي إلى عكس النشر مراعاة حسن تنسيق النظم ليكون الانتقال من ذكر الإِطعام إلى ما يقولونه للمطعمين، والانتقال من ذكر خوف يوم الحساب إلى بشارتهم بوقاية الله إياهم من شر ذلك اليوم وما يلقونه فيه من النضرة والسرور والنعيم.
فيجوز أن يكون ) من ربنا ( ظرفاً مستقراً وحرف ) مِن ( ابتدائية وهو حال من ) يوماً ( قُدم عليه، أي نخاف يوماً عبوساً قمطريراً حال كونه من أيّام ربنا، أي من أيام تصاريفه.
ويجوز أن تكون ) مِن ( تجريدية كقولك : لي من فلان صديق حميم. ويكون ) يوماً ( منصوباً على الظرفية وتنوينه للتعظيم، أي نخافه في يوم شديد.
و ) عَبوساً ( : منصوباً على المفعول لفعل ) نخاف (، أي نخاف غضبان شديدَ الغضب هُو ربنا، فيكون في التجريد تقوية للخوف إذ هو كخوف من شيْئيننِ ( وتلك نكتة التجريد )، أو يكون ) عبوساً ( حالاً ) من ربنا ).
ويجوز أن تجعل ) مِن ( لتعدية فعل ) نخاف ( كما عدي في قوله تعالى :( فمن خاف مِن موصصٍ جَنفَاً ( ( البقرة : ١٨٢ ). وينتصب ) يوماً ( على المفعول به لفعل ) نخاف ( فصار لفعل ) نخاف ( معمولاننِ. و ) عبوساً ( صفة ل ) يوماً (، والمعنى : نخاف عذاب يوم هذه صفته، ففيه تأكيد الخوف بتكرير متعلِّقه ومرجع التكرير إلى كونه خوف الله لأن اليوم يوم عدل الله وحكمه.
والعبوس : صفة مشبهة لمن هو شديد العبس، أي كُلُوحُ الوجه وعدم انطلاقه، ووصف اليوم بالعبوس على معنى الاستعارة. شُبه اليوم الذي تحدث فيه حوادث تَسُوءهم برجل يخالطهم يكون شرس الأخلاق عبوساً في معاملته.
والقمطرير : الشديد الصعب من كل شيء. وعن ابن عباس : القمطرير المقبض


الصفحة التالية
Icon