" صفحة رقم ٤٠٣ "
يفيد مُفاد القصر إذ ليس الحصر والتخصيصُ إلاّ تأكيداً على تأكيد كما قال السكاكي، فالمعنى : ما نزَّل عليك القرآن إلاّ أنا.
وفيه تعريض بالمشركين الذين قالوا :( لولا نزل عليه القرآن جملةً واحدة ( ( الفرقان : ٣٢ ) فجعلوا تنزيله مفرقاً شبهة في أنه ليس من عند الله.
والمعنى : ما أنزله منجّماً إلاّ أنا واقتضت حكمتي أن أنزله عليك منجّماً.
وفرع على هذا التمهيد أمره بالصبر على أعباء الرسالة وما يلقاه فيها من أذى المشركين، وشدُّ عزيمته أن لا تخور.
وسمى ذلك حكماً لأن الرسالة عن الله لا خيرة للمرسَل في قبولها والاضطلاععِ بأمورها، ولأن ما يحفّ بها من مصاعب إصلاح الأمة وحملِها على ما فيه خيرها في العاجل والآجل، وتلقي أصناف الأذى في خلال ذلك حتى يتمّ ما أمر الله به، كالحكم على الرسول بقبوللِ ما يبلغ منتهى الطاقة إلى أجللٍ معين عند الله.
وعدي فعل ( اصبر ) باللام لتضمن الصبر معنى الخضوع والطاعة للأمر الشاق، وقد يعدّى بحرف ( على ) كما قال تعالى :( واصبر على ما يقولون ( ( المزمل : ١٠ ). ومناسبة مقام الكلام ترجح إحدى التعديتين كما تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى :( ولربك فاصبر في سورة المدثر.
ولما كان من ضروب إِعراضهم عن قبول دعوته ضربٌ فيه رغبات منهم مثل أن يَترك قرعهم بقوارع التنزيل من تأفين رأيهم وتحقير دينهم وأصنامهم، وربما عرضوا عليه الصِهْر معهم، أو بذْلَ المال منهم، أُعقب أمره بالصبر على ما هو من ضروب الإِعراض في صلابة وشدة، بأن نهاه عن أن يطيعهم في الضرب الآخر من ضروب الإِعراض الواقع في قالَب اللين والرغبة.
وفي هذا النهي تأكيد للأمر بالصبر لأن النهي عنه يشمل كل ما يرفع موجبات الصبر المراد هنا.
والمقصود من هذا النهي تأييسهم من استجابته لهم حين يقرأ عليهم هذه الآية لأنهم يحسبون أن ما عرضوه عليه سيكون صارفاً له عما هو قائم به من الدعوة إِذْ هم بُعَداء عن إدراك ماهية الرسالة ونزاهة الرسول ( ﷺ ).


الصفحة التالية
Icon