" صفحة رقم ٦١ "
كما تقدم في قوله تعالى :( والكتاب المبين إنا جعلناه قرءاناً عربياً في سورة الزخرف ( ٢ ٣ )، وتنظيره بقول أبي تمام :
وثناياككِ إنها أغريض... البيت
ويسطرون ( : مضارع سطَر، يقال : سَطَر من باب نصر، إذا كتب كلمات عدة تحصل منها صفوف من الكتابة، وأصله مشتق من السّطر وهو القطع، لأن صفوف الكتابة تبدو كأنها قِطَع.
وضمير ) يسطرون ( راجع إلى غير مذكور في الكلام وهو معلوم للسامعين لأن ذكر القلم يُنبىء بكتَبَةٍ يكتبون به فكان لفظ القسَم متعلقاً بآلة الكتابة والكتابةِ، والمقصود : المكتوب في إطلاق المصدر على المفعول، فهو بمنزلة الفعل المبني للمجهول لأن الساطرين غير معلومين، فكأنه قيل : والمَسطور، نظير قوله تعالى :( وكتاب مسطور في رقّ منشور ( ( الطور : ٢ ٣ ).
ومن فسر ) القلم ( بمعنى تعلق علم الله تعالى بما سيكون جَعَل ضمير ) يسطرون ( راجعاً إلى الملائكة فيكون السّطر رمزاً لتنفيذ الملائكة ما أمر الله بتنفيذه حين تلقي ذلك، أي يكتبون ذلك للعمل به أو لإِبلاغه مِن بعضهم إلى بعض على وجه لا يقبل الزيادة ولا النقصان، فشبه ذلك الضبط بضبط الكاتب ما يريد إبلاغه بدون تغيير.
وأوثر القسم بالقلم والكتابة للإِيماء إلى أن باعث الطاعنين على الرسول ( ﷺ ) والَّلامِزين له بالجنون، إنما هو ما أتاهم به من الكتاب.
والمقْسَمُ عليه نفيُ أن يكون النبي ( ﷺ ) مجنوناً والخطاب له بهذا تسلية له لئلا يحزنه قول المشركين لمَّا دعاهم إلى الإسلام : هو مجنون، وذلك ما شافهوا به النبي ( ﷺ ) وحكاه الله عنهم في آخر السورة ( القلم : ٥١ ) ) وإن يكادُ الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون. وهكذا كل ما ورد فيه نفي صفة الجنون عنه فإنما هو رد على أقوال المشركين كقوله : وما صاحبكم بمجنون ( ( التكوير : ٢٢ ). وقد زل فيه صاحب ( الكشاف ) زلة لا تليق بعلمه.
والمقصود من نفي الجنون عنه إثبات ما قصد المشركون نفيه وهو أن يكون


الصفحة التالية
Icon