" صفحة رقم ٦٣ "
وهذا الأجر هو ثواب الله في الآخرة وعناية الله به ونصره في الدنيا.
و ( مَمنون يجوز أن يكون مشتقاً من مَنّ المعطِي على المعطَى إذا عَدّ عليه عطاءَه وذكَره له، أو افتخر عليه به فإن ذلك يسوء المعطَى، قال النابغة :
عليَّ لعَمْرو نعمةٌ بعدَ نعمةٍ
لوالدِهِ ليست بذاتتِ عقارب
أي ليس فيها أذى، والمَنّ من الأذى قال تعالى :( يا أيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمَنّ والأذى ( ( البقرة : ٢٦٤ ).
وقد انتزع من هذه الآية عبد الله بن الزَّبير ( بكسر الموحدة ) أو غيرُه في قوله :
أياديَ لَم تُمْنَنْ وإن هِيَ جلّت
قبله :
سأشكرُ عَمْراً إنْ تراخت منيتي
ومراده عَمْرو بن سعيد المعروف بالأشدق.
ويجوز أن يكون ( ممنون مشتقاً من قولهم : مَنَّ الحبلَ، إذا قطعه، أي أجراً غير مقطوع عنك، وهو الثواب المتزايد كل يوم، أو أجراً أبدياً في الآخرة، ولهذا كان لإِيثار كلمة ( ممنون هنا من الإِيجاز بجمع معنيين بخلاف قوله :( عطاء غير مجذوذ في سورة هود لأن ما هنا تكرمة للرسول.
وبعد أن آنس نفسَ رسوله بالوعد عاد إلى تسفيه قول الأعداء فحقق أنه متلبس بخلق عظيم وذلك ضد الجنون مؤكداً ذلك بثلاثة مؤكدات مثل ما في الجملة قبله.
والخُلق : طباع النفس، وأكثر إطلاقه على طباع الخير إذا لم يُتْبع بنعت، وقد تقدم عند قوله تعالى : إِنْ هذا إلاّ خلُق الأولين في سورة الشعراء.
والعظيم : الرفيع القدر وهو مستعار من ضخامة الجسم، وشاعت هذه الاستعارة حتى ساوت الحقيقة.
و ( على ) للاستعلاء المجازي المراد به التمكن كقوله : أولئك على هدى من ربهم ( ( البقرة : ٥ ) ومنه قوله تعالى :( إنك على الحق المبين ( ( النمل : ٧٩ )، ) إنَّك على صراط مستقيم ( ( الزخرف : ٤٣ )، ) إنك لعلَى هُدى مستقيم ( ( الحج : ٦٧ ).


الصفحة التالية
Icon