" صفحة رقم ٧٣ "
والمشي : استعارة لتشويه حاله بأنه يتجشم المشقة لأجل النميمة مثل ذِكر السعي في قوله تعالى :( ويسعَوْن في الأرض فساداً ( ( المائدة : ٦٤ )، ذلك أن أسماء الأشياء المحسوسة أشدّ وقعاً في تصوّر السامع من أسماء المعقولات، فذِكر المشي بالنميمة فيه تصوير لحال النمّام، ألا ترى أن قولك : قُطِع رأسُه أوقعُ في النفس من قولك : قُتِل، ويدل لذلك أنه وقع مثله في قول النبي ( ﷺ ) ( وأمَّا الآخَرُ فكان يمشي بالنميمة ).
والنميم : اسم مرادف للنميمة، وقيل : النميم جمع نميمة، أي اسمُ جمع لنميمة إذا أريد بها الواحدة وصيرورتُها اسماً.
هذه مذمة خامسة.
) منّاع ( : شديد المنع. والخير : المال، أي شحيح، والخير من أسماء المال قال تعالى :( وإِنه لحُب الخير لشديد ( ( العاديات : ٨ ) وقال :( إنْ تَرَكَ خَيْراً ( ( البقرة : ١٨٠ )، وقد روعي تماثل الصيغة في هذه الصفات الأربع وهي ) حَلاّففٍ، هَمّازٍ، مشَّاءٍ، منَّاعٍ ( وهو ضرب من محسن الموازنة.
والمراد بمنع الخير : منعه عمن أسلَمَ من ذويهم وأقاربهم، يقول الواحد منهم لمن أسلم من أهله أو مواليه : من دخل منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبداً، وهذه شنشنة عرفوا بها من بعد، قال الله تعالى في شأن المنافقين ) هم الذين يقولون لا تنفقوا على مَن عند رسول الله حتى ينفضّوا ( ( المنافقون : ٧ ). وأيضاً فمِن منععِ الخير ما كان أهل الجاهلية يعطون العطاء للفخر والسمعة فلا يعطون الضعفاء وإنما يعطون في المجامع والقبائل قال تعالى :( ولا يَحُضّون على طعام المسكين ( ( الفجر : ١٨ ). قيل : كان الوليد بن المغيرة ينفق في الحج في كل حجة عشرين ألفاً يطعم أهلَ مِنى، ولا يعطي المسكين درهماً واحداً.
هما مذمتان سادسة وسابعة قرن بينهما لمناسبة الخصوص والعموم.
والاعتداء : مبالغة في العُدوان فالافتعال فيه للدلالة على الشدة.


الصفحة التالية
Icon