" صفحة رقم ٨٤ "
وجملة ) وغَدوا على حَردٍ قادرين ( في موضع الحال بتقدير ( قد )، أي انطلقوا في حال كونهم غادين قادرين على حَرد.
وذُكِر فعل ) غَدَوا ( في جملة الحال لقصد التعجيب من ذلك الغدوِّ النحس كقول امرىء القيس :
وباتَ وباتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد
بعد قوله :
تَطاول ليلك بالأثمُد
وباتَ الخَلي ولم تَرْقُد
يخاطب نفسه على طريقة فيها التفات أو التفاتان.
والحرد : يطلق على المنع وعلى القصد القوي، أي السرعة وعلى الغضب.
وفي إيثار كلمة ) حَرْد ( في الآية نكتة من نكت الإِعجاز المتعلق بشرف اللفظ ورشاقته من حيث المعنى، ومن جهة تعلق المجرور به بما يناسب كل معنى من معانيه، أي بأن يتعلق ) على حرد ( ب ) قادرين (، أو بقوله ) غَدوا، ( فإذا علق ب ) قادرين، ( فتقديم المتعلِّق يفيد تخصيصاً، أي قادرين على المنع، أي منع الخير أو منع ثمر جنتهم غير قادرين على النفع.
والتعبير بقادرين على حرد دون أن يقول : وغدوا حاردين تهكم لأن شأن فعل القدرة أن يذكر في الأفعال التي يشق على الناس إتيانها قال تعالى :( لا يَقدرون على شيء مما كسبوا ( ( البقرة : ٢٦٤ ) وقال :( بلى قادرين على أن نسوي بنانه ( ( القيامة : ٤ ) فقوله :( على حرد قادرين ( على هذا الاحتمال من باب قولهم : فلان لا يملك إلاّ الحِرمان أو لا يقدر إلاّ على الخيبة.
وإذا حمل الحرد على معنى السرعة والقصد كان ) على حرد ( متعلقاً ب ) غَدَوا ( مبيناً لنوع الغُدو، أي غدوا غدُوَّ سرعة واعتناء، فتكون ) على ( بمعنى باء المصاحبة، والمعنى : غدوا بسرعة ونشاط، ويكون ) قادرين ( حالاً من ضمير ) غدوا ( حالاً مقدَّرة، أي مقدرين أنهم قادرون على تحقيق ما أرادوا.
وفي الكلام تعريض بأنهم خابوا، دل عليه قوله بعده ) فلما رأوها قالوا إنا لضالون ( ( القلم : ٢٦ )، وقولُه قبله ) فطاف عليها طائف من ربّك وهم نائمون ).


الصفحة التالية
Icon