" صفحة رقم ١٤٦ "
الرأي فيه، وفيهم أبو حارثة بن علقمة البَكري، وهو أسْقُفُّهم وصاحب مِدْرَاسِهم ووليّ دينهم، وفيهم أخو أبي حارثة، ولم يكن من أهل نجران، ولكنّه كان ذا رتبة : شَرّفَه ملوك الروم وموّلُوه. فلقوا النبي ( ﷺ ) وجادلهم في دينهم، وفي شأن ألوهية المسيح، فلمّا قامت الحجة عليهم أصرّوا على كفرهم وكابروا، فدعاهم النبي ( ﷺ ) إلى المباهلة، فأجابوا ثم استعظموا ذلك، وتخلّصوا منه، ورجعوا إلى أوطانهم، ونزلت بِضع وثمانون آية من أول هذه السورة في شأنهم كما في ( سِيرة ابن هشام ) عن ابن إسحاق. وذكر ذلك الواحدي والفخر، فمن ظنّ من أهل السير أنّ وفد نجران وفدوا في سنة تسع فقد وهِم وَهَما انجرّ إليه من اشتهار سنة تسع بأنّها سنة الوفود. والإجماعُ على أنّ سورة آل عمران من أوائل المدنِيّات، وترجيحُ أنّها نزلت في وفد نجران يعيّنان أنّ وفد نجران كان قبل سنة الوفود.
) ) ال
).
لما كان أول أغراض هذه السورة، الذي نزلت فيه، هو قضية مجادلة نصارى نجران حين وفدوا إلى المدينة، وبيان فضل الإسلام على النصرانِيَّة، لا جرم افتتحت بحروف التهجّي، المرموز بها إلى تحدّي المكذّبين بهذا الكتاب، وكان الحظّ الأوفر من التكذيب بالقرآن للمشركين منهم، ثم للنصارى من العَرب ؛ لأنّ اليهود الذين سكنوا بلاد العرب فتكلّموا بلسانهم لم يكونوا معدودين من أهل اللسان، ويندر فيهم البلغاء بالعربية مثلُ السَّمَوْأل، وهذا وما بعده إلى قوله :( إن الله اصطفى ءادم ونوحا ( ( آل عمران : ٣٣ ) تمهيد لِما نزلت السورة بسببه وبراعة استهلال لذلك.
وتقدم القول في معاني ) آلم ( أول البقرة.