" صفحة رقم ١٦٠ "
وهو خادعهم ( ( النساء : ١٤٢ ) فيعلم السامع أنّ إسناد خادع إلى ضمير الجلالة إسناد بمعنى مجازي اقتضته المشاكلة.
وتاسعتها : آيات جاءت على عادات العرب، ففهمها المخاطبون، وجاء مَن بعدهم فلم يفهموها، فظنّوها من المتشابه، مثل قوله :( فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أَنْ يَطَّوّفَ بهما ( ( البقرة : ١٥٨ )، في ( الموطأ ) قال ابن الزبير :( قلت لعائشة وكنت يومئذ حدثاً لم أتفقّه لا أرى بأساً على أحدٍ ألاّ يطوف بالصفا والمروة ) فقالت له :( ليس كما قلت إنّما كان الأنصار يهلون لمناةَ الطاغية ) إلخ. ومنه :( عَلِم اللَّه أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم ( ( البقرة : ١٨٧ ) ) ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا وءامنوا ( ( المائدة : ٩٣ ) الآية فإنّ المراد فيما شربوا من الخمر قبل تحريمها.
عاشرتها : أفهام ضعيفة عَدت كثيراً من المتشابه وما هو منه، وذلك أفهام الباطنية، وأفهام المشبِّهة، كقوله تعالى :( يوم يكشف عن شاق ( ( القلم : ٤٢ ).
وليس من المتشابه ما صرّح فيه بأنّا لا نصل إلى علمه كقوله :( قل الروح من أمر ربي ( ( الإسراء : ٨٥ ) ولا ما صرّح فيه بجهل وقته كقوله :( لا تأتيكم إلاّ بغتة ( ( الأعراف : ١٨٧ ).
وليس من المتشابه ما دلّ على معنى يعارض الحملَ عليه دليل آخر، منفصل عنه ؛ لأنّ ذلك يرجع إلى قاعدة الجمع بين الدليلين المتعارضين، أو ترجيح أحدهما على الآخر، مثل قوله تعالى خطاباً لإبليس :( واستفزز من استطعت منهم بصوتك الآية في سورة الإسراء ( ٦٤ ) مع ما في الآيات المقتضية فإنّ الله غني عنكم ولا يرضَى لعباده الكفر ( ( الزمر : ٧ ) إنه لا يحبّ الفساد.
وقد علمتم من هذا أنّ مِلاك التشابه هو عدم التواطؤ بين المعاني واللغة : إمّا لضيقها عن المعاني، وإمّا لضيق الأفهام عن استعمال اللغة في المعنى، وإمّا لتناسي بعض اللغة، فيتبيّن لك أنّ الإحكام والتشابه : صفتان للألفاظ، باعتبار فهم المعاني.
وإنّما أخبر عن ضمير آياتتٍ محكمات، وهو ضمير جمع، باسم مفرد ليس دالاً على أجزاءٍ وهو ) أمّ (، لأنّ المراد أنّ صنف الآيات المحكمات يتنزّل من الكتاببِ منزلة أمّه أي أصله ومرجِعه الذي يُرجّع إليه في فهم الكتاب ومقاصده. والمعنى : هنّ


الصفحة التالية
Icon