" صفحة رقم ١٦٨ "
قوله :( بَنيناها بأيدٍ ( ( الذاريات : ٤٧ ) وقوله :( فإنَّك بأعيننا ( ( الطور : ٤٨ ) فمَن أخذوا من مثله أنّ لله أعيناً لا يُعرف كنهها، أوْ له يداً ليست كأيدينا، فقد زادوا في قوة الاشتباه.
ومنه ما يعتبر تأويله احتمالاً وتجويزاً بأن يكون الصرف عن الظاهر متعيّناً وأمّا حمله على ما أوّلوه به فعلى وجه الاحتمال والمثاللِ، وهذا مثل قوله تعالى :( الرحمن على العرش استوى ( ( طه : ٥ ) وقوله :( هل ينظرون إلاّ أن يأتيَهم الله في ظُلَل من الغمام ( ( البقرة : ٢١٠ ) فمثل ذلك مقطوع بوجوب تأويله ولا يَدعي أحد، أن ما أوّلَه به هو المرادُ منه ولكنّه وجه تابع لإمكان التأويل، وهذا النوع أشدّ مواقع التشابه والتأويل.
وقد استبان لك من هذه التأويلات : أنّ نظم الآية جاء على أبلغ ما يعبّر به في مقام يسع طائفتين من علماء الإسلام في مختلف العصور.
وقوله :( يقولون آمنا به ( حال من ( الراسخون ) أي يعلمون تأويله في هذه الحالة والمعنى عليه : يحتمل أن يكون المراد من القول الكناية عن الإعتقاد ؛ لأنّ شأن المعتقد أن يقول معتَقَده، أي يعلمون تأويله ولا يهجس في نفوسهم شك من جهة وقوع المتشابه حتى يقولوا : لماذا لم يجىء الكلام كلّه واضحاً، ويتطرّقهم من ذلك إلى الرّيبة في كونه من عند الله، فلذلك يقولون :( كل من عند ربنا ). ويحتمل أنّ المراد يقولون لغيرهم : أي من لم يبلغ مرتبة الرسوخ من عامة المسلمين، الذين لا قِبل لهم بإدراك تأويله، ليعلّموهم الوقوف عند حدود الإيمان، وعدمَ التطلّع إلى ما ليس في الإمكان، وهذا يقرب ممّا قاله أهل الأصول : إنّ المجتهد لا يلزمه بيانُ مُدركه للعامي، إذا سأله عن مأخذ الحكم، إذا كان المدرَك خفياً. وبهذا يحصل الجواب عن احتجاج الفخر بهذه الجملة لترجيح الوقففِ على اسم الجلالة.
وعلى قول المتقدّمين يكون قوله :( يقولون ( خبراً، وقولهم :( آمنا به ( آمنّا بكونه من عند الله، وإن لم نفهم معناه.
وقوله :( كل من عند ربنا ( أي كلٌ من المحكَم والمتشابه. وهو على الوجهين بيان لمعنى قولهم :( آمنا به (، فلذلك قطعت الجملة. أي كلّ من المحكم والمتشابه، مُنزل من الله.


الصفحة التالية
Icon