" صفحة رقم ١٧٢ "
إيماء إلى أنّ دعوتهم استجيبت. والمراد بالذين كفروا : المشركون، وهذا وصف غالب عليهم في اصطلاح القرآن وقيل : الذين كفروا بنبوءة محمد ( ﷺ ) أريد هنا قُريظة والنضير وأهلُ نجران ؛ ويُرجَّح هذا بأنّهم ذُكِّروا بحال فرعون دون حال عاد وثمود فإنّ اليهودوالنصارى أعلق بأخبار فرعون. كما أنّ العرب أعلق بأخبار عاد وثمود، وأنّ الردّ على النصارى من أهمّ أغراض هذه السورة. ويجوز أن يكون المراد جميع الكافرين : من المشركين، وأهل الكتابَيْن، ويكون التذكير بفرعون لأنّ وعيد اليهود في هذه الآية أهم.
ومعنى ( تُغني ) تُجزِي وتكفي وتدفع، وهو فِعل قاصر يتعدّى إلى المفعول بعن نحو :( ما أغني مَالِيَهْ ).
ولدلالة هذا الفعل على الإجزاء والدفع، كان مؤذناً بأنّ هنالك شيئاً يدفع ضُرّه، وتُكفى كلفتُه، فلذلك قَد يذكرون مع هذا الفعل متعلِّقاً ثانياً ويُعَدُّونَ الفعل إليه بحرف ( مِن ) كما في هذه الآية. فتكون ( مِن ) للبدل والعوض على ما ذهب إليه في ( الكشاف )، وجعل ابن عطية ( من ) للابتداء.
وقوله :( من الله ( أي من أمر يضاف إلى الله ؛ لأنّ تعليق هذا الفعل، تعليقاً ثانياً، باسم ذات لايقصد منه إلاّ أخصّ حال اشتهرت به، أو في الغرض المسوق له الكلام فيقدّر معنى اسم مضاف إلى اسم الجلالة. والتقدير هنا من رحمة الله، أو من طاعته، إذا كانت ( مِنْ ) للبدل وكَذا قدّره في ( الكشاف )، ونظّره بقوله تعالى :( وإنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئاً ( ( النجم : ٢٨ ). وعلى جعل ( من ) للابتداء كما قال ابن عطية تقدّر من غضب الله، أو من عذابه، أي غناء مبتدِئاً من ذلك : على حدّ قولهم : نَجَّاه من كذا أي فصله منه، ولا يلزم أن تكون ( مِن ) مَعَ هذا الفعل، إذا عدّي بعَن، مماثلة لمِنْ الواقعة بعد هذا الفعل الذي يُعَدّ بعن، لإمكان اختلاف معنى التعلّق باختلاف مساق الكلام. والغالب أن يأتوا بعد فعل أغنى بلفظ ( شيء ) مع ذكر المتعلِّقين كما في الآية، وبدون ذكر متعلِّقين، كما في قول أبي سفيان، يومَ أسْلَمَ :( لقد علمتُ أنْ لَوْ كان معه إله غيرُه لقد أغنى عنّي شيئاً ).


الصفحة التالية
Icon