" صفحة رقم ١٧٤ "
والوَقود بفتح الواو ما يوقد به كالوَضوء، وقد تقدّم نظيره في قوله :( التي وقودها الناس والحجارة ( في سورة البقرة.
وقوله :( كدأب ءال فرعون ( موقع كاف التشبيه موقع خبرٍ لمبتدأ محذوف يدل عليه المشبّه به، والتقدير : دأبُهم في ذلك كدأب آل فرعون، أي عادتهم وشأنهم كشأن آل فرعون.
والدأب : أصله الكَدْح في العمل وتكريره، وكأنّ أصل فعله متعدَ، ولذلك جاء مصدره على فَعْل، ثم أطلق على العادة لأنّها تأتي من كثرة العمل، فصار حقيقة شائعة قال النابغة :
كدأبِك في قوممٍ أرَاكَ اصطنعتَهُم
أي عادتك، ثم استعمل بمعنى الشَّأن كقول امرىء القيس :
كدأبك من أم الحُويرث قبلَها
وهو المراد هنا، في قوله :( كدأب ءال فرعون (، والمعنى : شأنهم في ذلك كشأن آل فرعون ؛ إذ ليس في ذلك عادة متكرّرة، وقد ضرب الله لهم هذا المثل عبرة وموعظة ؛ لأنّهم إذا استقْرَوْا الأمم التي أصابها العذاب، وجدوا جميعهم قد تماثلوا في الكفر : بالله، وبرسله، وبآياته، وكفَى بهذا الاستقراء موعظة لأمثال مشركي العرب، وقد تعيّن أن يكون المشبّه به هو وعيد الاستئصال والعذاب في الدنيا ؛ إذ الأصل أنّ حال المشبّه، أظهر من حال المشبّه به عند السامع.
وعليه فالأخذ في قوله :( فأخذهم الله بذنوبهم ( هو أخذ الانتقام في الدنيا كقوله :( أخذناهم بغتة فإذا هم مُبلسون فقطع دابر القوم الذي ظلموا ( ( الأنعام : ٤٤، ٤٥ ).
وأريد بآل فرعون فرعون وآلهُ ؛ لأنّ الآل يطلق على أشدّ الناس اختصاصاً بالمضاف إليه، والاختصاص هنا اختصاص في المتابعةِ والتواطؤ على الكفر، كقوله :( أدْخِلُوا ءال فرعون أشدّ العذاب ( ( غافر : ٤٦ ) فلذكر الآل هنا من الخصوصية ما ليس لذكر القوم ؛ إذ قوم الرجل قد يخالفون، فلا يدل الحكم المتعلّق بهم على أنّه مساوٍ لهم في


الصفحة التالية
Icon