" صفحة رقم ١٩٩ "
النصارى في شأن المسيح، وفي رسوم الدين، ويكون قوله : بينهم حالاً لبغيا : أي بغيا متفشيّا بينهم، بأن بغَى كلّ فريق على الآخر.
ويشمل أيضاً الاختلاف بيْنهم في أمر الإسلام ؛ إذ قال قائل منهم : هو حق، وقال فريق : هو مرسل إلى الأميّين، وكفر فريق، ونافق فريق. وهذا الوجه أوفى مناسبة بقوله تعالى : إن الدين عند الله الإسلام (، ويكون قوله :( بينهم ( على هذا وصفا لبغيا : أي بغياً واقعاً بينهم.
ومجيء العلم هو الوحي الذي جاءت به رسلهم وأنبياؤُهم، لأنّ كلمة جاء مؤذنه بعلم متلقّى من الله تعالى، يعني أنّ العلم الذي جاءهم كان من شأنه أن يصدّهم عن الاختلاف في المراد، إلاّ أنّهم أساءوا فكانوا على خلاف مراد الله من إرسال الهدى.
وانتصب ) بغيا ( على أنّه مفعول لأجله، وعامل المفعول لأجله : هو الفعل الذي تفرّغ للعمل فيما بعدَ حرف الاستثناء، فالاستثناء كان من أزمان وعلل محذوفة والتقديرُ : ما اختلفوا إلاّ في زمن بعدما جاءهم العلم وما كان إلاّ بغياً بينهم. ولك أن تجعل بغياً منصوباً على الحال من الذين أوتوا الكتاب، وهو وإن كان العامل فيه فعلاً منفياً في اللفظ إلاّ أن الاستثناء المفرّغ جعله في قوه المثبت، فجاء الحال منه عقب ذلك، أي حال كون المختلفين باغين، فالمصدر مؤوّل بالمشتق. ويجوز أن تجعله مفعولاً لأجله من ( اختلف ) باعتبار كونه صار مثبتاً كما قرّرنا.
وقد لمّحت الآية إلى أنّ هذا الاختلاف، والبغي كُفْر، لأنّه أفضى بهم إلى نقض قواعد أديانهم، وإلى نكران دين الإسلام، ولذلك ذيّله بقوله :( ومن يكفر بآيات الله ( إلخ.
وقولُه :( فإن الله سريع الحساب ( تعريض بالتهديد، لأنّ سريع الحساب إنّما يبتدىء بحساب من يكفر بآياته، والحساب هنا كناية عن الجزاء كقوله :( إنْ حسابهم إلاّ على ربي ( ( الشعراء : ١١٣ ).
وفي ذكر هذه الأحوال الذميمة من أحوال أهل الكتاب تحذير للمسلمين أن يقعوا في مثل ما وقع فيه أولئك، والمسلمون وإن اختلفوا في أشياء كثيرة لم يكن اختلافهم إلاّ


الصفحة التالية
Icon