" صفحة رقم ٢٠٣ "
تسهل المجادلة، وتختصر المقاولة، ويسهل عَرض المتشككين أنفسهم على هذه الحقيقة، ليعلموا ما هم عليه من الديانة. وبَيّنتْ هذه الكلمة أنّ هذا الدين يترجم عن حقيقة اسمه ؛ فإنّ اسمه الإسلام، وهو مفيد معنى معروفاً في لغتهم يرجع إلى الإلقاء والتسليم، وقد حذف مفعوله ونُزِّل الفعل منزلة الفعل اللاّزم فعلم أنّ المفعول حذف لدلالة معنى الفاعل عليهِ، فكأنّه يقول : أسلمتُني أي أسلمتُ نفسي، فبُين هنا هذا المفعول المحذوف من اسم الإسلام لئلاّ يقع فيه التباس أو تأويل لما لا يطابق المراد، فعبّر عنه بقوله :( وجهي ) أي نفسي : لظهور ألاّ يحسن محمل الوجه هنا على الجزء المعروف من الجسد، ولا يفيد حمله عليه ما هو المقصود، بل المعنى البَيِّن هو أن يراد بالوجه كامل الذات، كقوله تعالى :( كل شيء هالك إلا وجهه ( ( القصص : ٨٨ ).
وإسلام النفس لله معناه إسلامها لأجله وصيرورتها ملكاً له، بحيث يكون جميع أعمال النفس في مرضاة الله، وتحت هذا معاننٍ جمّة هي جماع الإسلام : نحصرها في عشرة :
المعنى الأول : تمام العبودية لله تعالى، وذلك بألاّ يعبد غير الله، وهذا إبطال للشرك لأنّ المشرك بالله غير الله لم يسلم نفسه لله بل أسلم بعضَها.
المعنى الثاني : إخلاصُ العمل لله تعالى فلا يلحظ في عمله غير الله تعالى، فلا يرائي ولا يصانع فيما لا يرضي الله ولا يُقدّم مرضاةَ غير الله تعالى على مرضاة الله.
الثالث : إخلاص القول لله تعالى فلا يقول ما لا يرضَى به الله، ولا يصدر عنه قول إلاّ فيما أذن الله فيه أن يقال، وفي هذا المعنى تجيء الصراحة، والأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر، على حسب المقدرة والعلممِ، والتَّصدِي للحجة لتأييد مراد الله تعالى، وهي صفة امتاز بها الإسلام، ويندفع بهذا المعنى النفاق، والملق، قال تعالى في ذكر رسوله :( وما أنا من المتكلّفين ( ( يس : ٨٦ ).
الرابع : أن يكون ساعياً لِتَعَرُّف مرادِ الله تعالى من الناس، ليُجري أعماله على وفقه، وذلك بالإصغاء إلى دعوة الرسل المخبرين بأنّهم مرسلون من الله، وتلقّيها بالتأمّل في وجود صدقها، والتمييز بينها وبين الدعاوي الباطلة، بدون تحفّز للتكذيب، ولا


الصفحة التالية
Icon