" صفحة رقم ٢٠٧ "
وقرأ الجمهور من العشرة ) يقتلون ( الثاني مثل الأول بسكون القاف وقرأه حمزة وحده ( ويُقاتلون ) بفتح القاف بعدها بصيغة المفاعلة وهي مبالغة في القتل.
والفاء في ) فبشّرهم ( فاء الجواب المستعملةُ في الشرط، دخلت على خبر إنّ لأنّ اسم إنّ وهو موصول تضمن معنى الشرط، إشارة إلى أنّه ليس المقصود، قوماً معيّنين، بل كل من يتَّصف بالصلة فجزاؤه أنّ يَعلم أنّ له عذاباً أليماً. واستعمل بشّرهم في معنى أنذرهم تهكّماً.
وحقيقة التبشير : الإخبار بما يُظهر سرور المخبَر ( بفتح الباء ) وهو هنا مستعمل في ضدّ حقيقته، إذ أريد به الإخبار بحصول العذاب، وهو موجب لحزن المخبَرين، فهذا الاستعمال في الضدّ معدود عند علماء البيان من الاستعارة، ويسمّونها تهكّمية لأنّ تشبيه الضدّ بضدّه لا يروج في عقل أحد إلاّ على معنى التهكّم، أو التمليح، كما أطلق عمرو ابن كلثوم. اسم الأضياف على الأعداء، وأطلق القرى على قتل الأعداء، في قوله :
نزلتم مَنزل الأضياففِ منّا
فعَجَّلْنَا القِرى أن تشتمونا
قَزَيْنَاكُم فعَجَّلْنا قِراكم
قُبَيْل الصُّبْح مِرْداةً طَحُونا
قال السكاكي : وذلك بواسطة انتزاع شَبه التضادّ وإلحافه بشَبه التناسب.
وجيء باسم الإشارة في قوله :( أولئك الذين حبطت أعمالهم ( لأنّهم تميّزوا بهذه الأفعال التي دلت عليها صِلاتُ الموصول أكملَ تمييز، وللتنبيه على أنّهم أحِقَّاءِ بما سيخبر به عنهم بعدَ اسم الإشارة.
واسم الإشارة مبتدأ، وخبره ) الذين حَبِطتْ أعمالهم (، وقيل هو خبر ( إنّ ) وجملة ) فبشرهم بعذاب أليم ( وهو الجاري على مذهب سيبويه لأنّه يمنع دخول الفاء في الخبر مطلقاً.
وحَبَط الأعماللِ إزالةِ آثارها النافعة من ثواببٍ ونعيم في الآخرة، وحياةٍ طيّبة في الدنيا، وإطلاق الحَبَط على ذلك تمثيل بحال الإبل التي يصيبها الحَبَط وهو انتفاخ في بطونها من كثرة الأكل، يكون سبب موتها، في حين أكلت ما أكلت للالتذاذ به.


الصفحة التالية
Icon