" صفحة رقم ٢١٣ "
والمالك هو المختصّ بالتصرّف في شيء بجميع ما يتصرّف في أمثاله مما يُقصد له من ذواتها، ومنافعها، وثمراتها، بما يشاء فقد يكون ذلك بالانفراد، وهو الأكثر، وقد يكون بمشاركةٍ : واسعةٍ، أو ضيّقة.
والمُلك بضم الميم وسكون اللام نوع من المِلك بكسر الميم فالملك بالكسر جنسٌ والمُلك بالضم نوعٌ منه وهو أعلى أنواعه، ومعناه التصرّف في جماعة عظيمة، أو أمة عديدة تصرُّف التدبير للشؤون، وإقامةِ الحقوق، ورعاية المصالح، ودفع العدوان عنها، وتوجيهها إلى ما فيه خيرها، بالرغبة والرهبة. وانظر قوله تعالى :( قالوا أنّى يكون له المُلك علينا في سورة البقرة ( ٢٤٧ ) وقد تقدم شيء من هذا عند قوله تعالى : مالك يوم الدين ( ( الفاتحة : ٤ )، فمعنى مالك الملك أنّه المتصرّف في نوع الملك ( بالضم ) بما يشاء، بأن يراد بالمُلك هذا النوع. والتعريف في المُلك الأول لاستغراق الجنس : أي كل ملك هو في الدنيا. ولما كان المُلك ماهية من المواهي، كان معنى كون الله مالك المُلك أنّه المالك لتصريف المُلك، أي لإعطائه، وتوزيعه، وتوسيعه، وتضييقه، فهو على تقدير مضاف في المعنى.
والتعريف في المُلك الثاني والثالث للجنس، دون استغراق أي طائفة وحصّة من جنس المُلْك، والتعويل في الفرق بين مقدار الجنس على القرائن. ولذلك بينت صفة مالك الملك بقوله :( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ( ( آل عمران : ٢٦ ) فإنّ إيتاءه ونزعه مقول عليه بالتشكيك : إيجاباً، وسلباً، وكثرة وقلّة.
والنزع : حقيقة إزالة الجِرم من مكانه : كنزع الثوب، ونزع الماء من البئر، ويستعار لإزالة الصفات والمعاني كما قال تعالى :( ونزعنا ما في صدورهم من غلّ ( ( الأعراف : ٤٣ ) بتشبيه المعنى المتمكّن بالذات المتّصلة بالمكان، وتشبيه إزالته بالنزع، ومنه قوله هنا :( تنزع الملك ( أي تزيل وصف الملك ممّن تشاء.
وقوله :( بيدك الخير ( تمثيل للتصرّف في الأمر ؛ لأنّ المتصرّف يكون أقوى تصرّفه بوضع شيء بيده، ولو كان لا يوضع في اليد، قال عنترة بن الأخرس المَعْني الطائي :
فما بيديك خير أرتجيه
وغيرُ صدودَك الخطبُ الكبير
وهذا يعدّ من المتشابه لأنّ فيه إضافة اليد إلى ضمير الجلالة، ولا تشابه فيه : لظهور


الصفحة التالية
Icon