" صفحة رقم ٢١٩ "
مالك، في الجاسوس يتجسس للكفّار على المسلمين : إنّه يُوكل إلى اجتهاد الإمام، وهو الصواب لأنّ التجسس يختلف المقصد منه إذ قد يفعله المسلم غروراً، ويفعله طمعاً، وقد يكون على سبيل الفلتة، وقد يكون له دأباً وعادة، وقال ابن القاسم : ذلك زندقة لا توبة فيه، أي لا يستتاب ويقتل كالزنديق، وهو الذي يُظهر الإسلام ويسر الكفار، إذَا اطُّلع عليه، وقال ابن وهب رِدّة ويستتاب، وهما قولان ضعيفان من جهة النظر.
وقد استعان المعتمد ابن عباد صاحب أشبيلية بالجلالقة على المرابطين اللمْتونيين، فيقال : إنّ فقهاء الأندلس أفتوا أميرَ المسلمين علياً بنَ يوسف بننِ تاشفين، بكفر ابن عبّاد، فكانت سبب اعتقاله ولم يقتله ولم ينقل أنّه استتابه.
الحالة الخامسة : أن يتّخذ المؤمنون طائفة من الكفّار أولياء لنصر المسلمين على أعدائهم، في حين إظهار أولئك الكفار محبة المسلمين وعَرْضِهم النصرة لهم، وهذه قد اختلف العلماء في حكمها : ففي المدوّنة قال ابن القاسم : لا يستعان بالمشركين في القتال لقوله عليه السلام لكافرٍ تبعه يوم خروجه إلى بدر :( ارجع فلن أستعين بمشرك ) وروى أبو الفرج، وعبد الملك بن حبيب : أنّ مالكاً قال : لا بأس بالاستعانة بهم عند الحاجة، قال ابن عبد البر : وحديث ( لَن أستعين بمشرك ) مختلف في سنده، وقال جماعة : هو منسوخ، قال عياض : حملُه بعض علمائنا على أنّه كان في وقت خاص واحتجّ هؤلاء بغزو صفوان بن أمية مع النبي ( ﷺ ) في حنين، وفي غزوة الطائف، وهو يومئذ غير مسلم، واحتجوا أيضاً بأنّ النبي ( ﷺ ) لما بلغه أنّ أبا سفيان يجمع الجموع ليوم أحد قال لبني النضير من اليهود :( إنَّا وأنتم أهل كتاب وإنّ لأهل الكتاب على أهل الكتاب النصر فإمّا قاتلتم معنا وإلاّ أعرتمونا السلاح ) وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، والشافعي، والليث، والأوزاعي، ومن أصحابنا من قال : لا نطلب منهم المعونة، وإذا استأذنونا لا نأذن لهم : لأنّ الإذن كالطلب، ولكن إذا أخرجوا معنا من تلقاء أنفسهم لم نمنعهم، ورام بهذا الوجه التوفيق بين قول ابن القاسم ورواية أبي الفرج، قاله ابن رشد في البيان من كتاب الجهاد، ونقل ابن رشد عن الطحاوي عن أبي حنيفة : أنّه أجاز الاستعانة بأهل الكتاب دون المشركين، قال ابن رشد : وهذا لا وجه له، وعن أصبغ المنع مطلقاً بلا تأويل.


الصفحة التالية
Icon