" صفحة رقم ٢٢٥ "
محبة الله فعلاً للشرط في مقام تعليق الأمر باتباععِ الرسول عليه مَبْنِيٌّ على كون الرأفة تستلزم المحبة، أو هو مبني على أنّ محبة الله أمر مقطوع به من جانب المخاطبين، فالتعليق عليه تعليق شرط محقّق، ثم رتّب على الجزاء مشروط آخر وهو قوله :( يحببكم الله ( لكونه أيضاً مقطوع الرغبة من المخاطبين، لأنّ الخطاب للمؤمنين، والمؤمن غايةُ قصده تحصيل رضا الله عنه ومحبته إياه.
والمحبة : انفعال نفساني ينشأ عند الشعور بحسن شيء : من صفات ذاتية. أو إحسان، أو اعتقاد أنّه يُحِب المستحسِنَ ويَجُر إليه الخير. فإذا حصل ذلك الانفعال عقِبَهُ ميل وانجذاب إلى الشيء المشعور بمحاسنه، فيكون المنفعِل محبّاً، ويكون المشعور بمحاسنه محبوباً، وتُعدّ الصفات التي أوجبت هذا الانفعال جمالاً عند المحبّ، فإذا قويَ هذا الانفعال صار تهيّجاً نفسانياً، فسُمي عشقاً للذوات، وافتنَاناً بغيرها.
والشعور بالحسن الموجبُ للمحبة يُستمدّ من الحواسّ في إدراك المحاسن الذاتية المعروفة بالجمال، ويُستمد أيضاً من التفكّر في الكمالات المستدلّ عليها بالعقل وهي المدعوة بالفضيلة، ولذلك يحبّ المؤمنون الله تعالى، ويحبّون النبي ( ﷺ ) تعظيماً للكمالات، واعتقاداً بأنّهما يدعوانهم إلى الخير، ويحبّ الناس أهل الفضل الأوّلين كالأنبياء والحكماء والفاضلين، ويحبون سُعاة الخير من الحاضرين وهم لم يَلْقوهم ولا رَأوْهم.
ويَرجِع الجماللِ والفضيلة إلى إدراك النفس ما يلائمها : من الأشكال، والأنغام، والمحسوسات، والخلال. وهذه الملاءمة تكون حسيّة لأجل مناسبة الطبع كملاءمة البرودة في الصيف، والحرّ في الشتاء، وملاءمة الليِّن لسليم الجلد، والخُشِن لمن به داعي حِكّة، أو إلى حصول منافع كملاءمة الإحسان والإغاثة. وتكون فكرية لأجل غايات نافعة كملاءمة الدواء للمريض، والتعبَ لجاني الثمرة، والسهَر للمتفكّر في العلم، وتكون لأجل الإلف، وتكون لأجل الإعتقاد المحض، كتلقّي الناس أنّ العلم فضيلة، ويدخل في هذين محبة الأقوام عوائدَهم من غير تأمل في صلاحها، وقد تكون مجهولة السبب كملاءمة الأشكال المنتظمة للنفوس وملاءَمة الألوان اللطيفة.


الصفحة التالية
Icon