" صفحة رقم ٢٣٤ "
ونفي المشابهة بين الذكر والأنثى يقصد به معنى التفصيل في مثل هذا المقام وذلك في قول العرب : ليس سواءً كذا وكذا، وليس كذا مثلَ كذا، ولا هو مثل كذا، كقوله تعالى :( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ( ( الزمر : ٩ ) وقوله ) يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ( ( الإحزاب : ٣٢ ) وقول السموأل :
فليسَ سواءً عالمٌ وجَهول
وقولِهم :( مرعى ولا كالسعدان، وماء ولا كَصَدَّى ).
ولذلك لا يَتوخون أن يكون المشبه في مثله أضعف من المشبه به ؛ إذ لم يبق للتشبيه أثر، ولذلك قيل هنا : وليس الذكر كالأنثى، ولو قيل : وليست الأنثى كالذكر لفهم المقصود. ولكن قدّم الذكر هنا لأنه هو المرجو المأمول فهو أسبق إلى لفظ المتكلم. وقد يجيء النفي على معنى كون المشبه المنفي أضعف من المشبه به كما قال الحريري في المقامة الرابعة :( غدوتَ قبلَ استقلال الركاب، ولا اغتداء اغتداءَ الغراب ) وقال في الحادية عشرة :( وضحكتم وقت الدفن، ولا ضَحِكَكُم ساعةَ الزّفن ) وفي الرابعة عشرة :( وقمتَ ) ولا كعَمْرو بن عُبيد ) فجاء بها كلها على نَسق ما في هذه الآية.
وقوله :( وإني سميتها مريم ( الظاهر أنها أرادت تسميتها باسم أفضل نبيئة في بني إسرائيل وهي مريم أختُ موسى وهارون، وخَوّلها أنّ أباها سَمِيُّ أبي مريم أختتِ موسى.
وتكرُّر التأكيد في ) وإنّي سميتها ( ) وإنّي أعيذها بك ( للتأكيد : لأنّ حال كراهيتها يؤذن بأنها ستعْرض عنها فلا تشتغل بها، وكأنها أكدت هذا الخبر إظهاراً للرضا بما قدّر الله تعالى، ولذلك انتقلت إلى الدعاء لها الدال على الرضا والمحبة، وأكدت جملة أعيذها مع أنها مستعملة في إنشاء الدعاء : لأنّ الخبر مستعمل في الإنشاء برمّته التي كان عليها وقتَ الخبرية، كما قدّمناه في قوله تعالى :( إني وضعتها أُنثى ( وكقول أبي بكر :( إنّي استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ).


الصفحة التالية
Icon