" صفحة رقم ٢٤٠ "
ووُصِفَ عيسى كلمةً من الله لأنّ خُلق بمجرد أمر التكوين الإلهي المعبر عنه بكلمة كُنْ أي كان تكوينه غير معتادو سيجيء عند قوله تعالى : إن اللَّه يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ( ( آل عمران : ٤٥ ). والكلمة على هذا إشارة إلى مجيء عيسى عليه السلام. ولا شكّ أنّ تصديق الرسول، ومعرفة كونه صادقاً بدون تردّد، هدى عظيم من الله لدلالته على صدق التأمل السريع لمعرفة الحق، وقد فاز بهذا الوصف يحيى في الأولين، وخديجة وأبو بكر في الآخرين، قال تعالى :( والذي جاء بالصدق وصدّق به ( ( الزمر : ٣٣ )، وقيل : الكلمة هنا التوراة، وأطلق عليها الكلمة لأنّ الكلمة تطلق على الكلام، وأنّ الكلمة هي التوراة.
والسيد فَيْعِل من سَاد يسود إذا فاق قومه في محامد الخصال حتى قدموه على أنفسهم، واعترفوا له بالفضل. فالسؤدد عند العرب في الجاهلية يعتمد كفاية مهمّات القبيلة والبذل لها وإتعاب النفس لراحة الناس قال الهذلي :
وإنّ سيادةَ الأقوام فاعلَمْ
لها صُعَدَاءُ مطلبها طويل
أترجو أن تَسُودَ ولن تُعَنّى
وكيف يسودُ ذو الدعةَ البَخيل
وكان السؤدد عندهم يعتمد خلال مرجعها إلى إرضاء الناس على أشرف الوجوه، وملاكه بذل الندى، وكفّ الأذى، واحتمال العظائم، وأصالة الرأي، وفصاحة اللسان.
والسيّد في اصطلاح الشرع من يقوم بإصلاح حال الناس في دنياهم وأخراهم معاً وفي الحديث ( أَنا سيّد ولد آدم ولا فخر ) وفيه ( إنّ ابني هذا سيّد ) يعني الحسنَ بن علي فقد كان الحسنُ جامعاً خصال السؤدد الشرعي، وحسبك من ذلك أنّه تنازل عن حق الخلافة لجمع كلمة الأمة، ولإصلاح ذات البين، وفي تفسير ابن عطية عن عبد الله بن عمر : أنه قال :( ما رأيتُ أحداً أسود من معاوية ابن أبي سفيان فقيل له وأبو بكر وعمر قال : هما خير من معاوية ومعاوية أسودُ منهما ) قال ابن عطية :( أشار إلى أنّ أبا بكر وعمر كانا من الاستصلاح وإقامة الحقوق بمنزلة هما فيها خير من معاوية، ولكن مع تتبع الجَادّة، وقلّةِ المبالاة برضا الناس ينخرم فيه كثير من خصال السؤدد


الصفحة التالية
Icon